الفنانة هيام سلمان لـ”تشرين”: الفنُّ يأخذنا إلى عوالمَ خفيّةٍ من ذواتنا أكثرَ استتاراً وضبابية!

تَعدُّ الحياةَ باهتةً وناقصةً من دون لمسة الفنّ السحرية، لكنها تُدركُ أيضاً أنّ الفنّ في ذاته من دون الشغف به والإخلاص له سيكون بلا أثرٍ في ذاكرة الناس.. ابتدأتْ مشروعَ حياتها «أرسمُ حلمي»، منذ (9) سنوات، محرّضةً الشباب والناس في بعض قرى اللاذقية والمدينة ليجعلوا الجماداتِ والأماكنَ المهملة كالأدراج وزوايا الأبنية تنطقُ بهجةً وأقواسَ قزحٍ… أو لتصبحَ «حيطان بتحكي»!
شاركت في معظم المعارض الجماعية منذ عام 1986، وأقامت العديد من المعارض الفردية والثنائية مع زوجها النحات ماهر علاء الدين، شاركت كضيفة شرف في «ملتقى مورتسبورغ الدولي بألمانيا/درسدن»، والكثيرُ من أعمالها مقتناةٌ لدى مؤسسات رسمية دولية ومن مُحبّي التراث في العالم.. الفنانة هيام سلمان تتحدث لـ«تشرين» وتفيضُ جمالاً:
* وصلتْ لوحاتُك إلى اليابان وتحوّلتْ إلى «شالاتٍ» تُلبس وتُهدى أو تُقتنى! حدّثينا عن هذه النقلة/اللفتة في تجربتك الفنية. ما الذي أضافته لك؟ وكيف يمكن البناء عليها لاحقاً؟
انتشارُ عملِ الفنان بدءاً من محيطه الصغير مروراً بمدينته وصولاً إلى مساحة أوسع خارج وطنه الأمّ له أهميةٌ كبيرة، خاصة حين تتحول ثلاثة من أعمالي مثلاً إلى شالات في بلد نُسمّيه في سورية «كوكب اليابان», فأول ما يعنيه لي ذلك أنّ اللوحات تركتْ أثراً جميلاً أدى إلى طلبها وتسويقها، بل ومن ثمّ العودة لطلب لوحة رابعة من أعمال «مشروع يدي» المخصص لتعريف الشعب الياباني بالفن والفنانين السوريين. إن هذا مصدر سعادة وفرح كبيرين لي خاصة في هذا التوقيت بالذات حيث تمرّ علينا أيامٌ كالحةٌ وثقيلةٌ، ليأتي خبرٌ مفرح مثل هذا يردّ الروح وليكون دافعاً وحافزاً لإنتاج المزيد من اللوحات الفنية والإعداد لمشاريع جديدة قادمة.
* قلتِ مرّة «أعمل في لوحاتي القماشية على الانتقال من عالم إلى آخر في سعي دائم لتشكيل وإعادة تشكيل المخزون التراثي في ثقافتنا العربية، هذا التراث – الذي هو أساس تجربتي – ألملِمُه وأعيدُ إدخالَه في نسيج حياتنا اليومية»… كيف ذلك؟ ما العناصر التراثية أو شخصيات الحكايات التراثية التي تنهلين منها؟ كيف يمكن للمتلقين/الجمهور على اختلاف مستوياتهم الثقافية وذائقتهم الجمالية معرفةُ ذلك من دون شرح؟
في مرحلة سابقة من حياتي تجولت في العديد من المحافظات وأريافها، أخذتني مشغولاتٌ ملوَّنة لسيداتٍ ريفيات يعملن على بقايا قماش مهملة فتتحول بين أيديهن إلى غطاءٍ لوسادة أو طاولة أو سرير أو«جيّابيّة» يضعنْ فيها أغراضهن الصغيرة التي يخشين عليها من الضياع.. مشغولات يدوية تختلف من بيئة إلى أخرى لكنها تحمل رائحة واحدة، نكهة التراث المميزة التي سحرتني بعفويتها وألوانها الحارّة والمتنافرة والتي يميزها هدفُها الاستعماليّ في أعمالهن المنزلية، رغبتُ أن تكون تلك المشغولات قابلة للإنتاج من جديد، أردتُ أن أرى (الجيابية) تُزيّنُ أعمدة منازلنا، وغطاءَ الطاولة ينسابُ كشلّالِ جمالٍ من حولنا.
بدأت باستخدام التقنية ذاتها/الإبرة والخيطان الملونة ودبابيس الخياطة/ ورُقَعاً وبقايا مهملة مختلفة الأحجام والأشكال والملمس لتتحول (الجيّابية) التقليدية إلى مجموعة لوحات صغيرة صنعتُ منها أكثر من (300 جيّابية) انتشرت في أماكن مختلفة من العالم، واقتناها المهتمون بالتراث في أمريكا واليابان وألمانيا وغيرها. بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من اللوحات القماشية التي تصلح أن تكون غطاءً أو ستارة لبوّابة أو جدارية تحكي قصّتها الخاصة مثل أعمالي: «لوحة آدم وليليت» ولوحات «قيامة أدونيس»، «أعياد الربيع»، ولوحة «راقصات حالولا». * يمكنني أن أرى تأثير «ماتيس» الأوضح على مُجمل تجربتك الفنية، ليس فقط في لوحات «الكولاج» إنما في تكوينات شخوص اللوحات الزيتية أيضاً، على الرغم من أنني أرى بعض القتامة في أعمالك حتى تلك التي تسمّينها «أعياد الربيع» مقابل «الانفجار اللوني» عند «ماتيس» ، إلى أيّ مدى يمكن للفنان أن يخرج من جلباب معلّميه أو من التأثير الطاغي لفنان عالمي مثل «ماتيس» أو غيره؟ أم إن مسألة الخروج هذه ليست مهمة، والأهم أن يبدع الفنان ضمن تلك المدرسة ومن روحها؟

الحقيقة أنني من أشد المعجبين باختزالات الجسد عند «ماتيس» ، وربما كان ذلك الاختزال لازماً وضرورياً لتقنية الخياطة وبقايا القماش، في مرحلة ما من تجربتي الفنية التي تعتمد على تلك التقنية كان لابد من اعتماد الاختزال والرمزية، بالإضافة إلى الغوص في بحار من التجريب لاختبار تلك الخامة صعبة التشكيل. كنت في بعض الحالات أرسم الجسد الواحد مرات عدة وبأقمشة متنوعة حتى أصل إلى شكل يحقق الرؤية التي أرغب بها, مراحل عديدة مررت بها كنت أعتقد أن العنوان الأبرز لها هو اختبار الخامة مراراً وتجريب التقنية والتحدي والصبر.. نعم أدين بالفضل في بعض اللوحات لأشكال «ماتيس» المختزلة التي سهّلت عليّ المهمة ولم أتردد في أخذها وتحويرها… لكن الأهم بعد تأثّرنا بذاك الفنان أو غيره وفي مرحلة لاحقة هو أن نُبحرَ بعيداً وأن نصل وحيدين!
* ما الذي أضافه لكِ العمل الجماعي أو إدارة أعمال فنية جماعية مثل مشروع «أرسم حلمي» أو الدورات الفنية التي تجرونها مع مؤسسات وجمعيات تنموية؟ أم إنها سرقتك من إنجازات فردية شخصية كنت تتمنين لو أنّك حققتِها من خلال لوحاتك الشخصية ذاتها؟ وما هو مصير «أرسم حلمي»؟
مشروع «أرسم حلمي» هو مشروع حياة كما أصفه دائماً، هو حلمٌ تحققَ ومازال يتحقّق، جاء نتيجة حاجة المجتمع المحلي له، وأبصر النور نتيجة دعم هذا المجتمع له، وأهم ما يميزه هو العمل الجماعي التطوّعي والمجّاني بالكامل، والذي ظهر جلياً في الحملات والبرامج التي أطلقتها الجمعية على اختلاف أهدافها. كانت أحلامنا جميعاً تتحقق واحدة تلو الأخرى .. هي إنجازاتٌ جماعية نعم لكنها تصبُّ في خانة الإنجاز الفردي لكل شخص شارك فيها.
لا أنكر أن جمعية «أرسم حلمي» استهلكت الكثير من وقتي وجهدي لتكريس سمعة ومصداقية عالية، لكنها بالفعل أخذتني إلى تفاصيلَ عزيزة وهامة لديّ طورتُ من خلالها مهاراتٍ عديدة واكتسبتُ خبرات كبيرة لأعود بين الحين والحين إلى أعمالي الفنية الذاتية ولتكون الفرصة الأكبر لذلك خلال فترة الحظر الكلي بسبب فيروس كورونا, حيث قمت بإنجاز أكثر من (20) لوحة بمقاسات متنوعة… لكنني دائماً أعتقد أنه لا يوجد فصل بين مشروع «أرسم حلمي» وعملي الفني الذاتي، إنهما متداخلان لدرجة لا يمكن الفصل بينهما بشكل واضح.
* (نمازحها أو نشاكسها قليلاً) ونسألها: ماذا عن تواجد زوجك النحات ماهر علاء الدين إلى جوارك في حمْل الأعباء الحياتية والفنية؟ وكيف تتعاملان مع «غِيرة التشابه في الكار» إنْ وجدت؟
النحات ماهر علاء الدين المميز؛ هو ليس زوجي فقط، بل صديقي ورفيق لحظاتي كلها، وشريك في كل إنجازٍ مهما كان صغيراً أو كبيراً .. هو الداعم الأساس في حياتي، ولولاه لما كنتُ «هيام» التي أنا عليها اليوم. أعتقد جازمة أنني محظوظة جداً لوجوده المساند والداعم والناقد المشاكس بحساسيته العالية وصِدقه حين يسلط الضوءَ على نقاط وقضايا قد أغفل عنها أثناء انهماكي في العمل. إنه إنسان حُرّ ولا أعتقد أن هناك «غيرة» بل على العكس تماماً أرى أن هناك تكاملاً بين تجربته الغنية في النحت على الخشب والمعدن والحجر, وبين تجربتي في الرسم ببقايا القماش أو بالألوان الزيتية والإكريليك، ولهذا السبب كانت معظم معارضنا مشتركة، ونجاحُ أحدنا هو مصدر سعادة وفخر للآخر.
* هل الفن يُشفي الأرواح من جراحها؟ أم إنّ الزمنَ كفيلٌ بذلك وما الرسمُ/النحت مثلاً إلا فسحة مؤقتة وعابرة على أهميتها؟
** لطالما اعتقدت أن الفن جزء لا يتجزأ من تفاصيل أيامي، أمارسُه كما أمارس الحياة بجزئياتها الصغيرة والكبيرة، وكما تأخذنا الحياة في رحلتها الغامضة والغرائبية؛ يأخذنا الفنُّ إلى عوالم مجهولة وخفيّة من ذواتنا الأكثر استتاراً وضبابيةً، عوالم توغل في الروح والعاطفة إلى جانب الفكر، ربما هي حالة ذاتية عالية المستوى مادامت اللوحة قيد الإنجاز، وحين ننجزها تصبحُ اللوحة بكل ما تحمله من ذواتنا مُلكاً للمتلقي، للآخر الذي يعنينا رأيه ويهمنا أن يتركَ عملنا الفني فيه أثراً ما، ثم لنُبحرَ من جديد… وفي الإبحار شِفاء!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
المقداد: واشنطن تتعمد شل مجلس الأمن واستخدامها "الفيتو" للحؤول دون وقف إطلاق النار يشجع “إسرائيل” على الاستمرار في ذبح الشعب الفلسطيني انطلاق مؤتمر ومعرض الدفع الإلكتروني الثاني.. وزير الاتصالات: تطبيقه أولوية لدفع عجلة الاقتصاد الرقمي السفير الضحاك: الغرب يواصل منع مجلس الأمن من وقف حرب الإبادة في غزة والاعتداءات الإسرائيلية على سورية اللواء مملوك: الحفاظ على الهويات الوطنية ركيزة أساسية لأمن وسلامة الدول صفحات غير مرخصة تتداول أخباراً عن الطقس تثير الرعب والخوف.. مدير الأرصاد الجوية في طرطوس: لا صحة لما يتم تداوله والطقس ربيعي رطب هل يتدحرج ميدان الشمال إلى «منازلة كبرى»؟.. الكيان الإسرائيلي أمام الجبهة «المعضلة» منزوع الردع وبلا خيارات بديلة.. واعتقالات دولية تحاصر حكومة نتنياهو ١.٣ مليون طن الإنتاج المتوقع من القمح والشعير في الحسكة الوصفة المثالية لإكسير الحياة تخبط في ملاكمتنا قبيل الاستحقاق الأولمبي  متلازمة «بوتس» تصيب الرياضيين وذوي اللياقة البدنية العالية