الدعم النفسي لأطفال السرطان خطوة أساسية لتحدي المرض
في مشفى البيروني، حيث أصوات آهات الآلام تنتشر في المكان، وقلما تجد مكاناً للفرح هناك، جلس سامر بجانب والدته ينتظر دوره ليأخذ جرعته الكيماوية، وبعد تنهيدة سألها: متى سأنتهي من أخذ الجرعات ويعود شعري كرفاقي وأرتاح من الاستفراغ والتعب الذي أنهك جسدي؟ دموع والدته سبقت كلامها فهي لا تملك إجابات شافية على كل هذه التساؤلات، موقف جعل إحدى الممرضات تتدخل وتبدأ بحديث مطول مع سامر لتحصل في نهايته على ضحكة يملؤها التحدي للمرض وقناعة بالعلاج.
تصرف الممرضة لاقى الترحيب عند الاختصاصية النفسية الدكتورة غنى نجاتي، التي نظمت في هذا الشهر، ولاسيما في اليوم العالمي للسرطان العديد من الفعاليات التطوعية لزرع البسمة على وجوه هؤلاء الأطفال، كنوع من أنواع الدعم النفسي لتحريضهم على المقاومة وتقبّل العلاج، وفي ذلك تقول : السرطان أكثر من مجرد انتشار عشوائي للخلايا السرطانية فتأثيراته المزعجة تمتد لتشمل الآلام النفسية للطفل وأسرته، وتعكير صفوة الطفولة البريئة وتهديد مستقبل الأطفال، حيث يعاني طفل السرطان من عقدة الشعور بالذنب تجاه أهله، فهو يراقب دموع أمه، ويسمع تنهيدات أبيه ويشعر وكأنه هو السبب بالمرارة والألم، والدمع الذي يتراءى له في عيون أسرته المحبة، وخصوصاً أن المشوار العلاجي للسرطان طويل ومزمن، وكلما اجتاز الطفل مرحلة وجد مرحلة علاجية بانتظاره، وهذا يستنزف طاقة النسق الأسري الذي يحتضن طفل السرطان، فقد يضطر أحد الوالدين لترك عمله لمرافقة طفله للعلاج والمبيت بالمشفى، وهو ما قد يقلل المصادر الاقتصادية لدخل الأسرة..
ولعل البعض لا يعي أهمية الدعم النفسي لمرضى السرطان ويظنه نوعاً من الكمالية غير اللازمة لنجاح العلاج… أما في الحقيقة العلمية فإن جميع الدراسات الطبية للأورام تؤكد أهمية العلاج المتكامل للسرطان، حيث يتضافر العلاج الطبي مع العلاج النفسي… وهذا ما تفعله مؤسسة “أليسار” لعلاج ودعم أطفال السرطان، وأفتخر بكوني عضو شرف في هذه العائلة النبيلة، وأنا أعمل معهم كطبيبة بالصحة النفسية لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لأطفالنا، حيث تبدأ الخدمات النفسية المفروض تقديمها لطفل السرطان منذ لحظة التشخيص، وإخبار الأهل بإصابة طفلهم بالسرطان، وبما أنه خبر مدمر ومؤلم لا يتمنى أي أهل سماعه… لذلك يجب أن يقوم بإخبارهم مختص نفسي يشرح لهم الواقع بطريقة مناسبة لمستواهم المعرفي الإدراكي والانفعالي، ويتفهم طبيعة مشاعرهم ويعي تماماً مصدرها… وكذلك تدخل الخدمات النفسية بوجود بروتوكول نفسي لإخبار الطفل بالتشخيص وبالوقت والمكان المناسب، وذلك بشكل يناسب العمر العقلي لكل طفل … حيث يجد العديد من الأهل أنفسهم لا يستطيعون إخبار الطفل بالحقيقة، وكلما عزموا على التصريح عن حقيقة التشخيص تخونهم الشجاعة أمام براءة عيون الطفل وحزنهم على مصابه..
وتضيف: إن مشوار العلاج من السرطان هو حرب نفسية حقيقة تتطلب الاستعداد والتحضير، وتعاون جميع الأطراف الأسرية والاجتماعية والطبية…
ومن المجالات التي تصب ضمن نطاق خدمات الدعم النفسي لأطفال السرطان مثلاً تقديم جلسات نفسية داعمة للطفل وأهله بشكل منفصل، ثم بشكل مشترك… حيث يبرز العلاج الجمعي القائم على العلاج المعرفي السلوكي كأفضل علاج نفسي يتبع مع أهل ومرافق طفل السرطان، إذ نقوم بتأمين بيئة سيكولوجية متينة وداعمة ومريحة للأهل، للحديث بحرية مطلقة عن مشاعرهم السلبية وتجربتهم الانفعالية بوجود طفل سرطان في أسرتهم .. فالحديث العلني عن هذه المشاعر يسمح للأهل بتبادل الخبرات الوجدانية، وتشكيل دعم نفسي إضافي لهم نتيجة شعورهم بالانتماء لمجموعة تفهم معنى وعمق الألم الذي يشعرون به، وتالياً يسمح لهم ذلك بالتفريغ الانفعالي، وتعبئة طاقة نفسية تمدهم بالصبر والقوة لمواجهة تحديات هذا المرض الخبيث وتداعياته المتشعبة..
وبالنسبة للطفل علينا القيام بإجراء الجلسات العلاجية بشكل غير مباشر، عن طريق ورشات لعب ومرح له، تكون مدروسة بعناية سيكولوجية وممنهجة بطريقة علمية، لتحقيق استعادة ثقته بنفسه، وإعادة أمله بطاقته الجسدية والروحية، ورفع مناعته النفسية، وتحريره من التوتر العاطفي، والمشاعر السلبية المرافقة للمرض، كالقلق العام والحزن والغضب وشرح مصدر هذه المشاعر، وضرورة التعبير عنها بطريقة سوية وصحيحة وعدم إنكارها او كبتها…
أما الخطوة الأخيرة في العلاج النفسي فهي مساعدة الطفل على الاندماج والانخراط بالمجتمع من جديد، وذلك بالعودة للمدرسة والأنشطة والهوايات القديمة، وتعزيز العلاقات العاطفية الإنسانية الإيجابية مع الأصدقاء والمقربين، بهذه الخطوات نكون قد ساهمنا في مساعدة الطفل وأهله على تقبل السرطان، والتعامل معه كمرض عضوي عابر وزائل، وهو الأمر الذي يساهم في التزام الطفل بالتعليمات الطبية والغذائية، ويساعد في الشفاء والتحسن السريع، ويقلل نسبة الانتكاس المرضي، فالعديد من الدراسات السيكولوجية العلمية تربط وتؤكد العلاقة المتبادلة بين المناعة العضوية والمناعة النفسية، فهما وجهان لعملة واحدة للروح البشرية، لتختتم حديثها بالقول: إن دعم أطفال السرطان مسؤولية جميع أفراد المجتمع كل بحسب دوره ومكانته وإمكاناته، وأنا ألمس طيبة المجتمع السوري، ورغبته ومحبته بتقديم الدعم للأطفال، من خلال التعليقات الإيجابية، والمبادرات الخجولة التي شاهدتها خلال عملي التطوعي لدعم وعلاج أطفال السرطان.