الشعراء القُساة

كمن يقتلعُ طفلاً من نومه، ليذهب إلى المدرسة، أو لحضور محاضرة خاصة بالأطفال في مركزٍ ثقافي؛ هكذا يقسو الشعراء على القصيدة، بتحميلها أوزاراً ليست لها، أو فوق طاقتها، أو عندما يكدسون على ظهرها أفكاراً والتزامات وحمولات لا تتسع لها تلك المساحة، كما صرخ ناقدٌ منذ زمنٍ بعيد.
يقسو الشعراء؛ عندما يستخدمون القصيدة، تماماً كما يستخدم عديمو الشفقة الأطفال في أعمالٍ فوق طاقتهم، وعندما يذهبون بها صوب الذهنية الجافة، ويخلصونها من كل براءتها وعفويتها، بالترويض الشديد كما يُروض صبي الورشة.
يقسو الشعراء على القصيدة؛ عندما لا يقتنعون أن ” النظم ” ليس شعراً، وأن هذا الشكل من الإبداع فقد كل جمالياته الشعرية، ذلك الشكل الشعري الذي فرضه ذات حينٍ بعيد “حداء الجمال ورجز الناقة ” في الصحارى والأرباع الخالية. ويقسون عليها أكثر عندما يبحثون في القواميس والمعاجم الباردة عن “الأحفورات” منتهية الصلاحية توسلاً لأوهام الجزالة.
يقسو الشعراء على القصيدة، عندما يحصرونها في المنبرية والخطابية، ويفعمونها بالإنشائية والخواطر، وإلقائها في وجه قلة حضروا، ومن ثم يتمّ خدش حيائهم العام..
يقسو الشعراء على القصيدة عندما يبطحونها أرضاً لنيل جائزة ما أو لنيلٍ أقرب إلى ” كرتونة ” من جمعيّة أو مجموعة غير معروفة، أو لتجعل من صاحبها ” أميراً ” من الكرتون، تُصفق له أمه وخالاته والأعمام. كما يقسون عليها عندما يسهبون في التطويل، ومن ثمّ ضياع “بيت القصيد” والفعالية الشعرية.
يقسو الشعراء على القصيدة عندما يشحنونها إلى مهرجانات أسواق الهال الثقافية، حيث تتداخل مع حفلات الفطور والعشاء وشرب الشاي. هناك حيث يستعرضونها، كما كانت تُستعرض الجواري في أسواق النخاسة.
يقسو الشعراء عندما يحمّلون القصيدة رسائل سياسية واجتماعية واقتصادية، و.. وعظية أيضاً، وكأنها تُلقى في جامعٍ أو كنيسة أو حتى في معبدٍ وثني في يومٍ ذي قداسة.
يقسو الشعراء على القصيدة، عندما لا يعتبرونها نسمة الصباح الأولى قبل أن يستيقظ الفلاحون، أو العتمة، وربما ضوء القمر وقد نام العشاق. يقسو الشعراء عندما لا يعتبرون القصيدة واحة بعيدة، أو ساقية، وربما شجرة في الحقل الفسيح.. يقسو الشعراء أخيراً عندما لا يتعاملون مع القصيدة بالبراءة الخالصة والصافية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار