“العلمانية والسياقات التاريخية” في يوم القدس الثقافي

أقامت مؤسسة القدس الدولية، في يوم القدس الثقافي، محاضرةً بعنوان “العلمانية والسياقات التاريخية” ألقاها الدكتور نبيل طعمة عضو مجلس أمناء المؤسسة في سورية اليوم في المركز الثقافي العربي بأبو رمانة.
بدأها الدكتور خلف المفتاح (مدير عام مؤسسة القدس الدولية/سورية) بالترحّم على المناضل الراحل أنيس النقاش مؤكّداً أنه “وإنْ ماتَ مناضلٌ فليسَ معنى ذلك موت النضال، وإنْ ماتَ ثائرٌ فليس معناه موت الثورة ضد العدو الصهيوني” ونوّه المفتاح إلى أن اختيار الدكتور طعمة لهذا العنوان إنما يؤكّد موقفَ المثقف ودورَه في القضايا العامة التي تهمّ أناس بلده وأنّ حساسية المصطلح تقتضي هذه الندوة لنفهمه أكثر ونطّلع على معالمه الحقيقية”.
ويقول لنا الدكتور نبيل طعمة “إن مصطلح العلمانية شائكٌ وشائق، لأننا عادةً نعادي ما نجهلُه، نحاربُ المصطلح دون أن نخوضَ غِماره أو نبديَ عناءً لمعرفته، فالعلمانية لا تعني معارضة الروحانية الموجودة داخل الإنسان، ولا تعني فصل الدِّين عن الدولة إنما فصل الدين عن السياسة، لأن الأديان إذا تسيَّسَتْ قمَعَتْ وتسلّطتْ وأرادتْ فرضَ وجهة نظر واحدة، ونحن في سورية حملنا راية العِلميّة والعلمانية منذ زمن طويل حتى بدء مسيرة التحديث والتطوير بقيادة السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد”.
و”هناك إشاراتٌ قد يغفل عنها البعض للسياقات التاريخية للعلمانية – يُكملُ الدكتور طعمة – منها مثلاً مدرسة “اللاييك” والتي تعني العلمانية لغةً. والسبب في بنائها باسمها ذاك هو أنهم وجدوا في شعبنا قدرة على الفهم والتغيير والتنوع في قيمه الإنسانية”، ويخبرنا كيف أنَّ “العلمانية نشأت في بلاد الشمال الأوروبية ضدَ صلف وتسلّط الكنيسة وتتالت الدعوات لبناء المجتمعات تلك على أساس العلم بعيداً عن سيطرة الكنسية على أمور وحياة الناس”.

حروبٌ فكرية مسبقة!
ويشير الدكتور طعمة بجرأة “إلى أننا في مجتمعاتنا -بكل صراحة وحتى اليوم- لم نصلْ إلى مفهوم البناء العلمي الجمالي بعناصر الثقافة ؛ العمارة والرسم والنحت والموسيقا والمسرح والسينما… هذه العناصر التي تجعلنا ننتقل إلى الأمام بذوائق جمالية وعلمية معاً، بشغف البحثِ والعملِ والدخول إلى جواهر الأعمال أو جوهر الأفكار والمصطلحات، فدائماً نخوضُ حرباً مسبقة على كل شيء وخاصة المصطلحات الإشكالية دون حتى مناقشتها أو إفساح المجال لمناقشتها”.
ويُكمل فيحدّد بدقة وطرافة معاً سبب ذلك فيقول: “نحن في معضلة فكرية حقيقية. نحن لا نريد أنْ نوسّع حدود عقلنا، ولا نريد أن نحذفَ من مخزوننا شيئاً، كأننا وصلنا إلى نقطة توقف فكري غير قابلة للتجديد، كما لو أننا “فلاشة” امتلأت تماماً ولا نريد أن نحذفَ منها شيئاً أو أن نجدّدَها”.

سؤالٌ جوهري!
“العلمانية هي آلية حوار موضوعيّ تجمعنا على طاولة الحديث على مبدأ علمي بهدف إنتاج أفكار جديدة، وها هي مؤسسة القدس الدولية، بعراقة اسم مدينة القدس العظيمة الحاضرة دائماً وأبداً معنا في أفكارنا وقلوبنا، تجمعنا على طاولة النقاش الفكري لنفهم أكثر معاني وسياقات فكرة العلمانية، حتى لو اتّفقنا أو اختلفنا لكن ذلك يدعونا لسؤالٍ جوهريّ: لماذا نجحت العلمانية في عالم الشمال وفشلتْ في عالم الجنوب والشرق ؟ ففي ذلك الوقت حصلت هناك في البلاد الشمالية انتفاضةٌ فكريةٌ ضد سلطة الكنيسة خلقتْ دفقاتِ فكرية ودفعاتِ وموجاتٍ علمية كبيرة، لم تُقصِ الدينَ عن حياة الناس الخاصة، ولم تُقصِ الروحانيةَ من قلوب الناس، ففي العلمانية لكَ أن تتعبّدَ ما شئتَ ومَنْ شِئت في أماكن العبادة، لكنْ عندما تخرجُ إلى الحياة العامة عليك أن تلتزم بالقوانين والاشتغال للحياة وتطويرها…وهذا هو جوهر ما نحتاجه”.
وفي المداخلات أشار الدكتور سليم بركات بطرافةٍ إلى “أن جذور العلمانية هي فيما فعله مارتن لوثر (1483- 1546) الراهب الألماني وأستاذ اللاهوت ومُطلِقُ عصر الإصلاح في أوروبا، إذ إنه قال لـ”بابا الكنيسة الذي يُعدُّ واسطةً بين الناس والربّ” ردّاً واعتراضاً على صكوك الغفران التي وزّعها على الشعب آنذاك:
“نعم لقد كفّرتني… لكنْ بِعني جهنّمَ!”، فردّ البابا: “جهنّم وبئسَ المصير”، لكن لوثر قال له: “لا يكفي قولك هذا، عليكَ أن تبيعني جهنّم”، فباعه إياها! فخرجَ مارتن لوثر إلى الناس قائلاً: يا أيها الناس، احملوا أناجيلكم بأيديكم واتّجهوا إلى الله مباشرةً ولا تجعلوا بينكم وبين الله واسطةً (يقصدُ البابا) فلقد اشتريتُ جهنّمَ منه ولم يبقَ لكم إلا الجنة”…الخ. وطبعاً في رمزية ما حصلَ وليس في حرفيته أكملت أوروبا إصلاحها ونهضتها الفكرية والعلمية وتوحّدت ولاياتُ ألمانيا، وولايات إيطاليا… وجعلَ الإيديولوجيا الدينية تنهار ويحلُّ محلها فكر النهضة العلميّ والثقافي”.

(تصوير: عبد الرحمن صقر)

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار