«بانتظار بايدن»
عشاق المسرح مازالوا ينتظرون «غودو» كي يرسله لهم صمويل بيكيت، لكن العالم كله اليوم بانتظار ماذا سيقول بايدن أمام الكونغرس الأربعاء 24 الجاري.
سيعرض الرئيس الأمريكي برنامجه السنوي ومواقف إدارته بصدد القضايا كافة فيما يسمى خطاب حال الاتحاد (State of the Union)، وهو الخطاب السنوي الذي يلقيه الرئيس عادة في 26/ 1 من كل عام؛ لكنه تأخر هذه المرة بسبب انتقال السلطة من ترامب إلى بايدن..
لاشك في أن بايدن سيكون مخلصاً لنظرية حزبه الديمقراطي داخلياً وخارجياً، وسيؤكد على سياسات تلتزم بتلك النظرية بشكل أو بآخر ؛ لكن المشكلة هي في أن ما يفرضه الواقع من قضايا يكون أكثر تعقيداً من الحلول النظرية المسبقة، هذه من أصعب الظواهر التي تواجه السياسيين في العالم كله، وفي الولايات المتحدة بوجه خاص..
سوف يركز بايدن على محاولة الجمع الصعب بأن يكون واقعياً من جهة وملتزماً بإستراتيجية حزبه من جهة أخرى، لاشك في أن ذلك مهمة قاسية وعبرها يظهر مدى حذاقة هذا الرئيس أو ذاك..
في كثير من الأحيان يبدو الرئيس الذي يتعامل مع هذه المشكلة قابضاً على الجمر، إنه الامتحان الكبير الذي يتم عبره تقييم أداء الرئيس من جهة حلفاء الواقع أم من جهة المنظرين الأيديولوجيين..
سنرى ماذا سوف يقول بايدن؛ ومنذ الآن هناك علامات وإشارات بأن بايدن سيوجه إلى «الانعزالية الجديدة» ضربة موجعة، وهي الانعزالية التي يلتزم بها الحزب الجمهوري من حيث المبدأ والتي حاول ترامب إعادة إحيائها بقوة وحماسة كلفته مصيره..
وجه ترامب ضربة قاسية لتقنيات العولمة والليبرالية الجديدة عندما فرض ضرائب مرتفعة على رأس المال الأمريكي الذي يستثمر في الخارج؛ الانعزالية الاقتصادية تتطلب أن يعود هذا الرأسمال إلى الوطن.
أما الانعزالية السياسية فهي تعني «أن تقود أمريكا العالم عن بعد ومن وراء حجاب» وأن تعزز قرارها المستقل لا أن ترهن هذا القرار للاتفاقيات الدولية.
خرج الانعزالي ترامب من اتفاقات دولية كبرى، المناخ والصحة والتعاون في المحيط الهادي، كما أضعف اتفاقية (نافتا)، أي اتفاقية التجارة الحرة في أمريكا الشمالية، كما أظهر عدم اهتمام بحلف “ناتو” وبمشاكل أوروبا، وشجع بريطانيا –حليفته المخلصة- على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي..
منذ أيامه الأولى أعلن بايدن “عودة أمريكا إلى العالم”.. وبدأ بخطوات مهمة في هذا الاتجاه، كعودة بلاده إلى اتفاقية المناخ وإلى منظمة الصحة العالمية، كما أكد اهتمامه “بالملف الإيراني” تعزيزاً لحضوره في السياسة الدولية.