فروسية مفقودة ..!

صحيحٌ أنه ليسَ هناك «آدمٌ أدبيّ»، بمعنى ليسَ هناك من هو «أبٌ» للأفكار كلّها، لكنّ الاعتراف بجميل ما يصنعه الآخرون ضروريٌّ لنا نحن البشر الفانين، الاعتراف بأننا تأثّرنا بفلان من زملائنا أو أصدقائنا أو بالكاتب «الشابّ» الفلاني أو الفنانة الرسامة «الشابة» أو الممثل المبتدئ الموهوب …إلخ، والتشديدُ هنا على كلمة «شاب» لأننا عادةً ما نصطدم بما يمكن أن نسميهم «الكاتب الصخرة» أو «الكاتب القرمة» هذا النموذجُ «المُطوَّبُ» والمُكرَّس إعلامياً والمُطيَّب له أينما حلَّ وارتحل وفي كل «عرس أدبي» كما لو أنه العريس الأزلي والأبديّ.
السرقة الأدبية، وادّعاء الأسبقيّة والملكية الفكرية، والمفاخرة بنصوصٍ أقلُّ مِن عادية على أنها فتْحٌ وبِدءٌ وإنجاز… صارتْ من لزوميات زمننا، بل أصبحت السرقات تُنشر على «الفيسبوك» تحت أسماء وهمية أو في صفحاتٍ مزورة على اعتبار أن وسائل التواصل الاجتماعي هي المكان الأكثر عماءً وسط هذا الفضاء الافتراضي اللامتناهي.
وبات أولئك المدّعون لأسبقيتهم من دونَ اعترافٍ بجميلٍ مَنْ اقتبسوا منهم وتأثروا بهم مِن قبيل «إشادة العظيم بعظيمٍ آخر»… يعتمدون ليسَ على ذكائهم العجائبي بل على قِصر ذاكرة الناس، على الذاكرة الضعيفة لبعض القرّاء، على انشغال مستهلكي «البوستات» في زمنٍ لا نلحق فيه أن نستمتع بشيءٍ ما إلا ويُعاجلوننا بالعواجل ويقصفوننا بالفيديوكليبات «الّلهلوبة» و«صحون النينجا» الموسيقية الطائرة.
الأسوأ أن بعض الجمهور وبعض الإدارات وبعض الناس ينسون فضلَ «العالم المتواضع» ويُطبّلون للجاهل المتفاخر، يركضُون خلفَ المتظاهِر بالمعرفة ويتجاهلون المتفاني المخلص، يلحقون «متل القطّ اللي بِحبّ خنّاقو» بِمَنْ يُجرِّحُهم بشراسةٍ وفضائح خوفاً من أنْ تصلهم «طرطوشة نقدية طائشة» منه، ويكتفون بأن يهمسوا في أُذنِ الناقد المُحبِّ بكلماتٍ سِريّة كما لو أنهم يقولون كُفراً أو ينطقون عيباً أو يجاهرون بالخطيئة!
لا تُطلَبُ الشهامةُ والكَرَمُ في زمنِ قلّة الهواء وانعدام الحال والمال رغم أنّ أجملها هو وقتَ الشدائد…لكنْ عجباً لزمنٍ باتت فيه الفروسية مفقودةً حتى في الحُبّ والمحبّة!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار