هل يحظى اليمين المتطرف بشرف الرئاسة الفرنسية؟

ترجمة وتحرير: إيمان الذنون:

شكّل تصاعد اليمين المتطرف في أوروبا ظاهرة سياسية جديرة بالاهتمام، ورغم اختلاف مستوى الظاهرة من دولة إلى أخرى، إلا أنها تتقاطع في العديد من السمات والخصائص ولعل أبرزها معاداة الأجانب ورفض الهجرة والعداء «للإسلام والمسلمين»، فيما عُرف بظاهرة «الإسلاموفوبيا»، إلى جانب تصاعد فكرة القومية والدفاع عن الهوية الوطنية والتقاليد التاريخية القومية، وقد بدا ذلك واضحاً منذ الثمانينيات وازداد بشكل واضح في العقد الماضي من خلال نسب النجاح اللافتة له في الانتخابات التشريعية والمحلية والأوروبية.

ارتبط اليمين المتطرف بمفهوم «أسلمة أوروبا» ويقصد به أن المسلمين الذين يمثلون الحضارة الدونية في نظرهم تغلغلوا في المجتمعات الأوروبية وازداد نفوذهم بما يشكل تهديد للهوية والثقافة الأوروبية، وفي المقابل تتبنى الأحزاب اليمينية المتطرفة مفهوم «الاستعلائية» باعتبار أنفسهم أعلى شأناً من المسلمين، لذلك فإن الأحزاب اليمينية المتطرفة تعادي وبشكل صريح الإسلام والمسلمين المهاجرين للدول الأوروبية.

وفي ظل تنامي هذا الإرث وجد اليمين المتطرف مناخاً ملائماً للصعود تحت مسميات مختلفة منها تهديد الهوية القومية لأوروبا مع تزايد أعداد المهاجرين للقارة الأوروبية من الدول الإسلامية والعربية، واكتسب شعبية كبيرة ومتزايدة في السنوات الأخيرة، كما استطاعت الأحزاب اليمينية المتطرفة تحقيق نجاحات في الانتخابات الأوروبية.

بدأت جذور اليمين المتطرف الأوروبي في فرنسا كرد فعل معاكس للثورة الفرنسية عام 1789 حيث قضت على الملكية، لكنها لم تقض على المبادئ التي يتبناها اليمين والتي تقوم على أساس التمييز العرقي، وتعتبر أن البشر ليسوا سواسية، ما جعلها من أكثر الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي شهدت تصاعداً واضحاً للأحزاب اليمينية المتطرفة، حيث استطاعوا جذب المؤيدين لهم وحصلوا على عدد كبير من المقاعد في البرلمان الفرنسي، وتنامى تأثيرهم في المجتمع الفرنسي حتى أصبح لهم مرشح للرئاسة عام 2017، وذلك لما تتمتع به مارين لوبان، زعيمة الجبهة الوطنية، من قاعدة جماهيرية واسعة جعلتها تصل إلى الترشح لمنصب الرئاسة، خلافاً للدول الأوروبية التي اقتصر فيها ترشيح الأحزاب اليمينية المتطرفة على المقاعد البرلمانية، ومن هنا تأتي أهمية فرنسا عند دراسة الأحزاب اليمينية المتطرفة، فما هو اليمين المتطرف وما أهدافه؟

اليمين المتطرف هو مصطلح سياسي، يطلق على التيارات والأحزاب السياسية لوصف موقعها ضمن محيطها السياسي، ويطلق المراقبون السياسيون هذا المصطلح على الكتل والأحزاب السياسية التي لا يمكن اعتبارها من ضمن جماعات اليمين السياسية التقليدية التي تدعو إلى حماية التقاليد والأعراف داخل المجتمع.

كان لصعود اليمين المتطرف الأوروبي جذور تاريخية وأسباب معاصرة لا توجد لمعظمها علاقة مباشرة بوجود المسلمين في القارة الأوروبية, إنما يضع الوجود الإسلامي في موقع الآخر ويستهدفه بأطروحات شعبوية عدائية.

ساهم تفكك الاتحاد السوفييتي سابقاً بانتشار اليمين المتطرف، حيث ظهرت مجموعة من الدويلات التي التفتت إلى أصولها، وساعد اندماج الدول الأوروبية في الاتحاد الأوروبي في لفت انتباه الدول الأوروبية إلى أصولها القومية، كل دولة على حدة، كما أن انتشار البطالة والركود الاقتصادي في أوروبا، وما نتج عنهما من أزمة اقتصادية عالمية جعلت الأوروبيين ينظرون بعين الريبة إلى الأجانب، وخاصة المسلمين، الذين يرون فيهم مزاحمين على الوظائف.. من هنا ظهرت دعوات إلى كبح جماح الهجرة، والتضييق على المهاجرين، بل أصبحت ردود الأفعال العدائية تجاه العرب، برنامجاً انتخابياً، لدى بعض الأحزاب اليمينية الأوروبية، كما حدث في فرنسا، حيث ظهر توجه سياسي فرنسي ممثل بـ«حزب الجبهة الوطنية» الذي أسسه جان ماري لوبان عام 1972م.

ارتبط عام 1984 بصعود الجبهة الوطنية الفرنسية في الانتخابات الأوروبية، حيث حصلت قائمة الحزب على نسبه تفوق الـ 11% ما يعني أن ثلثي الفرنسيين أعطوا أصواتهم لليمين المتطرف, وصولاً لعام 2017.

وعلى الرغم من أن حظوظ المرشحين المتطرفين في الانتخابات الفرنسية ليست جيدة إلا أن لوبان حقق عام 1988 رقماً قياسياً بلغ 14.4% من إجمالي الأصوات الناخبين، وبقي رئيساً للحزب الذي تتزعمه حالياً ابنته، مارين لوبان، حتى عام 2011، ما يدل على أن اليمين المتطرف أصبح عنصراً فاعلاً في السياسة الفرنسية، وتبقى النتيجة الأبرز التي حصل عليها اليمين المتطرف في تاريخه تلك التي تحققت عام 2002 في الانتخابات الرئاسية الفرنسية.

وبالرغم من الانحسار الانتخابي أواخر الثمانينيات للجبهة إلا أنه ظل أهم تجمع يميني في القارة الأوروبية.

وتعد الجبهة الوطنية الفرنسية أول حزب استخدم «الإسلاموفوبيا» في الحملات الانتخابية, لتصبح بعدها الأساس الذي تستند عليه الأحزاب لخلق سياسات عنصريه ضد المسلمين وتقييد حرياتهم وحقوقهم مثل الحملات التي تستهدف تشويه صورتهم في المجتمعات الغربية.

إلا أن خطاب اليمين المتطرف ساهم من خلال مفردات كانت بمثابة ثوابت للجبهة في التأثير على الجمهور لتأييده، فهل سيكون تأثيره اليوم مماثل لما كان عليه سابقاً في تحديد هوية الرئيس الفرنسي الجديد في الانتخابات القادمة؟

عن «إيكونومست» البريطانية

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار