رحم الله أيام كنا نأكل من خيرات أرضنا على “الغميضة” بلا خوف من غش تجار “الغفلة” ولا بضائع المهربين المضروبة .. أما اليوم فقد أصحبت صحتنا تحت رحمة الغشاشين والمهربين بعد أن أصبحت كل السلع بما فيها المحلية مشكوكاً في صلاحيتها للاستهلاك الغذائي، متكئين في هذه “الاستباحة” الجسيمة على رقابة تموينية تغطّ في نوم عميق منذ سنوات بعد تقليم أظافرها “المسالمة” وتزويدها بورقة ضبوط لا تقدم ولا تؤخر في ردع المخالفين.
إغراق الأسواق بالسلع المغشوشة والمهربة أو مجهولة المصدر كما يحلو لحماية المستهلك تسميتها، يدفع المواطن ضريبتها من صحته، فهو مجبور على شرائها تحت ضغط الحاجة وضيق الحال المعيشي، ورغم هذا الواقع الصعب مازال مقتنعاً بأن الجهات المعنية تبذل قصارى جهدها لمحاسبة التجار المتلاعبين بقوته وسلامته، قبل أن تفاجئه وزارة التجارة الداخلية بقرارها العجيب حول حظر تعامل الفعاليات التجارية مع المواد منتهية الصلاحية والمخالفة للمواصفات، وهنا يحق لنا التساؤل بلسان المواطن الصابر على الملمات وتقصير بعض المسؤولين: هل كان مسموحاً قبل هذا القرار أن يتعاملوا بسلع منتهية الصلاحية والمتاجرة بصحة المواطن، ما يشير بطريقة أو بأخرى إلى أصابع التقصير في معاقبة التجار المتعاملين بهذه السلع الممنوعة صحياً وقانونياً وإعطائهم الضوء الأخضر لممارسة أفعالهم المخالفة، فلو لم تكن حماية المستهلك عاجزة عن ضبط الأسواق .. وتحكم التجار بتسعير السلع وغشها لما وصلت فوضى الأسواق إلى هذا الحد الجنوني العصي على الضبط والتنظيم أقله حدّ الآن، بحكم سياسة “اللين” المتبعة في ردع تجار الأزمات والمهربين.
قمع مخالفات الغش والتدليس والتلاعب بمواصفات السلع وتنظيف الأسواق من هذه السلع المضرة لا ينفع معها التهديد والوعيد بأثرهما “الفاشوش”، فالمطلوب حالياً لسلامة الأطفال قبل الكبار فعل جدي نلمس نتائجه على الأرض مزود بعقوبات مشددة تصل إلى الحبس ودفع غرامات مالية تقدر بالملايين وليس بضع آلاف يدفعها المخالف من طرف جيبته، مع تدعيم دوريات الرقابة التموينية والصحية بآليات عمل كافية ووافية وإعطائها صلاحيات واسعة و”بالقانون” في معاقبة المخالفين وليس مجرد ضبط تمويني بمخالفته المحدودة والسلام، فقد آن الأوان للخلاص من داء “الطبطبة” المزمن والضرب بيد من حديد على المتاجرين بلقمة عيشنا وصحتنا وبلا هوادة، فأسواقنا المسيرة وفق مصالحهم أصحبت “تولول” من جور أفعالهم .. وجيوبنا حدث ولا حرج….فارحموا صحتنا لكون قروشنا القليلة غير قادرة على تحمل نفقات تدهورها…. وقطعاً هذه الرحمة المرجوة لن يحققها قرار الوزارة الغريب…فمن تعوّد على هبش مليارات الليرات من الغش والتهريب لن يُردع إلا بعين حمراء وعقاب فعلي “عسير”…فهل أنتم فاعلون..؟ أم إن صحة المواطن ستصبح في “خبر كان” كما جيوبه ..؟؟