وكأنها لم تكن يوماً، ولم تكن إحدى انشغالات المنطقة الرئيسية طيلة أربع سنوات مضت حلت فيها إدارة ترامب كابوساً علينا.. عن “صفقة القرن” نتحدث والتي لم يأت الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن ولا أي من مسؤولي إدارته على ذكرها، وكأنهم لم يسمعوا بها أبداً، وكأنها لم تكن صفقة أميركية العنوان، صهيونية المضمون وفي كل مراحلها من دون أن تخفي إدارة ترامب ذلك، وهي في الأساس لم تلجأ لإخفاء ذلك ما دامت وقائعها على الأرض أوضح من أي إعلان.
هل يعني ذلك أن إدارة بايدن لا تعترف “بصفقة القرن” أو أنها ستتراجع عنها أو عن ما تم تنفيذه في إطارها؟
الجواب قطعاً: لا.
جواب لم ننتظره طويلاً، إذ إن بايدن ومسؤولي إدارته وإن كانوا لا يأتون على ذكر “صفقة القرن” فهذا لا يعني عدم موافقتهم على مضمونها وما نفذ منها.. فقط الخصومة مع ترامب هي من يدفعهم لذلك.. وها هي إدارة بايدن بدأت بالتصريح بما يؤكد تكريس الواقع الذي أوجدته “صفقة القرن” من قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس والذي تعهد بايدن الالتزام به، إلى الاستيطان وتغوله على الأرض الفلسطينية وهو الذي لطالما ادعى بأنه ضد الاستيطان، وصولاً إلى الالتزام بتعميق وتوسيع التطبيع، والالتزام بأمن الكيان الصهيوني و”تفوقه” الحربي في المنطقة، والاستمرار في سياسية “الضغوط القصوى” على الدول التي ترفع راية مقاومة هذا الكيان المحتل في سبيل “إخضاعها” للأمر الواقع الذي تريد فرضه الولايات المتحدة وكان بدأه ترامب، ويكمله بايدن اليوم.. الفرق فقط أن لكل إدارة أميركية تسمياتها، فإذا كانت إدارة ترامب سمّت هذا «الأمر الواقع» بصفقة القرن فلننتظر ماذا ستسميه إدارة بايدن؟
لا نعتقد أن هناك فلسطينياً واحداً، أو أي أحد في المنطقة، متفائل بإدارة بايدن.. التفاؤل بذهاب إدارة أميركية وقدوم أخرى لم يعد قائماً، فإذا كانت إدارة ترامب اعتمدت سياسات مباشرة موغلة في فجاجتها ووقاحتها فهذه سياسات كانت مطلوبة ومدروسة وليست اعتباطية، لقد مهدت هذه السياسات المباشرة -وفق مبدأ الصدم والفرض- ثلاثة أرباع الطريق لتصفية القضية الفلسطينية.. والربع الباقي على بايدن.
هذه ليست عملية تبادل أدوار بين الإدارات الأميركية، بل هي تكامل أدوار، ولكل دور إدارة.. ورئيس.