خطوة في المجهول
لا تزال تداعيات “بريكست” على المملكة المتحدة البريطانية في مرحلة الغموض، فالخوف من المستقبل المجهول يلزم منْ دفع المملكة إلى هاوية الانفصال عن الكتلة الأوروبية إلى التزام الصمت، بانتظار الأمل بمعاملة خاصة اقتصادية وسياسية من الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الحقبة الجديدة من رئاسة جو بايدن، تعوض بعض ما قد تخسره المملكة.
رغم ما تم الكشف عنه من تبعات سيؤدي إلى انهيار مؤسسات مالية كثيرة وبخاصة المرتبطة بالاتحاد الأوروبي، إلا أن اسكتلندا تبقى الجرح والمعضلة التي لا يمكن طيها إلى الأبد، فمع كل منعطف تخرج القضية إلى السطح، إذ هددت رئيسة الوزراء نيكولا ستورغن بإجراء استفتاء في الإقليم للاستقلال عن بريطانيا، فالاستمرار في فتح قضية اسكتلندا سيكون من أكثر القضايا مرارة كنتيجة لخروج بريطانيا من الأوروبي.
اسكتلندا التي زادت من تعقيدات مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ستؤرق إلى أجل غير قصير ساسة المملكة التي ستدخل في مخاض طويل قبل أن تستقر- إن كان الاستقرار حليفها، فالشعب الذي تعود على الخروج من الجزيرة البريطانية سيأنف الدخول في سجن الحدود مرة ثانية، والاقتصاد الذي ترابط مع الاقتصاد الأوروبي سيجد نفسه أمام انكماش –إن لم ينهر- فـ”بريكست” خطوة بريطانية في المجهول.
التجربة البريطانية في الاتحاد الأوروبي غير مشجعة، والخروج لن يكون أيضاً مشجعاً للدول الأخرى لتنحو نحوه، وخاصة أن الدول الكبرى في الاتحاد كفرنسا وألمانيا لن تسهل على بريطانيا أخذ ما تريد وستجعل من “بريكست” تجربة مرة تخشاها باقي الدول، حتى لا يصبح الخروج خياراً مطروحاً على الطاولة حين تضرب العواصف الكبرى القارة العجوز.
بريطانيا بعد “بريكست” أمام امتحانات قد لا تنتهي بالاستقرار المخطط له، فشبح تداعيات الخروج لن يغادر المملكة المتحدة بسهولة، في عالم تجذرت فيه العولمة، فالتكتلات الكبرى هي التي تحكم وتفرض الشروط اليوم متكاملة ومتكاتفة، لدرجة أن الصناعة وأموالها لا يمكن أن تتم إلا في إطار تعاون جماعي، ومنْ يرفض التعاون من الدول الكبرى سيعرض نفسه إلى الخروج من عملية الإنتاج الاقتصادي، وهذا ما يضعف من تأثير الدول سياسياً في الخارج وأمنياً في الداخل، وبريطانيا ليست استثناء.