بايدن يكيل بمكيالين!

بعد ساعات قليلة من أدائه اليمين الدستورية كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، تراجع الديمقراطي جو بايدن الرئيس الـ46 لأمريكا عن زهاء 17 أمراً تنفيذياً بشكل انتقائي كانت إدارة دونالد ترامب السابقة قد وقعتها ونفذتها منطلقة من “الشعار” الأمريكي سيئ الصيت «أمريكا أولاً».. بالانسحاب من عدة اتفاقيات دولية أهمها معاهدة باريس للمناخ واتفاقية الشراكة عبر المحيط الأطلسي.. ومن مجلس حقوق الإنسان.. ومن منظمة “يونيسكو” وتعطيل عمل منظمة التجارة العالمية.. ومن منظمة الصحة العالمية ومن معاهدة حظر الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى مع روسيا.. والشروع ببناء جدار مع الجارة المكسيك.. وفرض قيود مشددة على الجارة كندا.. وفرض أتاوات على حلفائه في الاتحاد الأوروبي و”ناتو”.. ونقل سفارة أمريكا إلى القدس الشريف.. و”الاعتراف” بما يسمى “سيادة إسرائيل” على الجولان السوري المحتل.. و«العصا» لكل من يعارض التطبيع مع الكيان الصهيوني، و«الجزرة» لمن يسير بركبها.

جيد أن يتراجع بايدن عن بعض قرارات سلفه بما يخص الانسحاب من منظمة الصحة العالمية وعودة واشنطن إلى اتفاق باريس للمناخ.. وإيقاف قرار حظر دخول مواطنين من دول ذات أغلبية مسلمة إلى أمريكا.. ولكن هذا لا يكفي.. ولا يفي بالغرض لإعادة الثقة المشروخة أصلاً بأمريكا.. لأن لا شيء في الذهنية السائدة يوحي بالليونة, وحسن التدبير وابتكار في التفكير.. وإنما الغاية ذر رماد في العيون ليس إلا؟ فالحسابات هي ذاتها لأن الاستمرار في سياسة الإنكار والهروب من الواقع التي تتبعها أمريكا ما تزال هي سيدة الموقف.. رغم محاولات الماكينة الإعلامية الأمريكية ومن يدور في فلكها إظهار غير ذلك؟ لأنها تتقن من الحديث أعذبه وأجزله، لكنها لا تتقن من الفعل حتى أقلّه.. وهنا نحن لسنا بحاجة إلى فيض من الفطنة ولا سيل من الذكاء حتى نستنتج أن الحاصل مجرد مسرحية متقنة لإعادة تدوير أمريكا بعد أن فقدت مصداقيتها، خاصة في عهد ترامب، والعبرة في الخواتيم.. و«المكتوب واضح من العنوان» كما يقول المثل الشعبي.

فهناك وقائع كبرى تفرض نفسها لا يمكن تجاهلها في أي قراءة موضوعية، الأمر الذي يدفعنا للتساؤل: لماذا هذه الانتقائية المزدوجة والكيل بمكيالين، والتراجع عن بعض القرارات والاستمرار بقرارات أخرى، طالما تم الاعتراف من كل المؤسسات والمرجعيات الأمريكية أن رئيسهم السابق ترامب مجنون وموتور ومعتوه وعنصري وشعبوي ومتطرّف ويجب محاكمته؟ والصور المتواترة من أمريكا عن الاعتداءات الموصوفة والمنقولة على الهواء على المؤسسات -غزو «الكابيتول»- ما تزال حاضرة ومتجذرة في أذهان 7 مليارات من بينهم الأمريكيون.

نسجل لبايدن التراجع عن بعض هذه القرارات، وأنها خطوة في الطريق الصحيح، ولكن ماذا عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة؟ وماذا عن الانسحاب من طرف واحد من الاتفاق النووي مع إيران؟ وماذا عن الورقة التي وقّعها ترامب في 25 آذار 2019 وأهداها لرئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو بما يسمى “سيادة إسرائيل” على الجولان السوري المحتل وهو تصرّف أحادي الجانب صادر عن طرف لا يملك الصفة ولا الأهلية السياسية ولا القانونية ولا الأخلاقية ليقرر مصائر شعوب العالم أو ليتصرف بأراضٍ هي جزء لا يتجزّأ من أراضي الجمهورية العربية السورية..؟ وماذا يقول عن تدمير محافظة الرقة عن بكرة أبيها بحجة “محاربة” الإرهاب؟.. وماذا يقول عن تدمير 26 جسراً رئيساً على نهر الفرات داخل الأراضي السورية بدءاً من بلدة جرابلس شمالاً وحتى خروج الفرات منها إلى العراق جنوباً؟.. وماذا عن احتلال الجزيرة السورية منذ 5 سنوات ونهب ثرواتها التي تمثل 90% من سلة سورية الغذائية والنفطية والغازية والمائية والكهربائية؟.. بل ماذا عن وجود قواعد أمريكية غير شرعية على امتداد الحدود السورية مع كل من العراق والأردن بطول 974 كم ترفع عليها العلم الأمريكي وكأنها حدودها مع المكسيك، لغاية التحكّم والسيطرة على حدود دولة ذات سيادة بهدف إدخال الأسلحة بكل أنواعها وتسهيل دخول وخروج الإرهابيين من سورية وإليها، لتنفيذ المهام الأمريكية والإسرائيلية القذرة، والأيام القليلة الماضية كانت خير شاهد على التوافق والتعاون والتنسيق بين أمريكا وفلول الإرهابيين في عمق البادية السورية؟.. بل ماذا عن الإجراءات القسرية أحادية الجانب غير الشرعية المفروضة على السوريين عبر ما يسمى «قانون قيصر» المسلّط على رقاب السوريين، ويقطع عنهم الغذاء والدواء؟ فهل يتجرأ “الأخ” بايدن أمام حزبه المسمى «ديمقراطي» وأمام شعبه الذي يدّعي “النبل” وأمام مؤسسات دولته التي تفاخر “بعراقة الحرية والعدالة والمساواة” ويتراجع عن قرار سلفه بما يخص الجولان السوي المحتل «وقيصر» ويسحب قواعد بلاده غير الشرعية من «التنف» وعن امتداد الحدود السورية، ويسحب قواته المحتلة من الجزيرة السوية.. أسوة بما تراجع عنه من قرارات ترامب المومأ إليها.. أم كالعادة.. الانتقائية والكيل بمكيالين الهدف منها «روتشة» وجه أمريكا القذر ليس إلا؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار