على أكثر من مستوى!
شيءٌ ما؛ يبدو مُرتبكاً في المؤسسات الثقافية على تنوعها، وهذه ليست حالة سورية، وإنما تكاد تكون حالة عربية، وذلك في المُنتج الإبداعي الذي يُقدّم للأطفال.. أقول ثمة ارتباك، مع أن الأمر قد يفوق حد الارتباك إلى ما يُشبه المحنة الثقافية.
ذلك أن النتاج الإبداعي الذي يُقدم للطفل؛ تسوده أقل ما يُمكن أن يُطلق عليه (الفوضى)، وهي فوضى على أكثر من مستوى، ولعلّ أهم تلك المستويات بؤساً؛ هي محنة التخصص، وهي تتفرع بدورها على مستويين: الأول؛ إن مختلف الأكاديميات والكليات وحتى النقابات والاتحادات، وغيرها، لم توفر في إنتاجها، وتعليمها، أو فروعها، أقساماً لتُخصص من خلالها كوادر للإنتاج الإبداعي الموجه للطفل، وهنا الأمثلة كثيرة، فكلية الفنون الجميلة بدمشق على سبيل المثال، ورغم ريادتها كأكاديمية لتعليم فنون التشكيل، وأنواعه، لم تلحظ إلى الآن، ومنذ تأسيسها إلى اليوم, قسماً خاصاً بالرسم والنحت وغيره للأطفال، بمعنى تأهيل فنانين تكون مهمتهم إنتاج فنون تشكيلية للأطفال وحسب، وعلى التجاهل نفسه أيضاً، مشى المعهد العالي للفنون المسرحية، وهو الأمر الذي تمّ افتقاده في الاتحادات والنقابات الموازية لهذه الكليات من اتحاد الفنانين التشكيليين، وكذلك نقابة الفنانين، اللذين افتقدا إلى (الجمعيات) التي تُعنى بفنون الأطفال، وهو أيضاً ما تفتقده كلية اللغة العربية في مختلف الجامعات السورية أيضاً.
المستوى الثاني من هذه الفوضى؛ إن الإبداع الذي يُقدم للأطفال يُقدم – في الغالب- على مبدأ (الدوغما)، من دون مراعاة المراحل العمرية للأطفال، فوعي الأطفال دون مرحلة الروضة، غير وعي الأطفال في سن الروضة والمرحلة الابتدائية، وهما تختلفان أيضاً عن مرحلة اليافعين بين الـ(12) سنة، وما قبل الـ(18) بقليل.
ومن هنا نجد ندرة المبدعين الذين برزوا في الإبداع الموجه للطفل، و في كل مرة نجد أن وعي الطفل يتفوق على وعي المنتج المُقدم له، والذين برزوا في مجال الإبداع للطفل؛ كانوا من الندرة بمكان، بحيث إنّ من المحتمل عدم تكرارهم، ففي مجال الرسم للأطفال، ربما سيمرُّ وقتٌ طويل ليأتي بقامة كالفنان ممتاز البحرة، أو كشاعر بحجم سليمان العيسى، والذي أرى أن نتاجه الشعري للأطفال يفوق كل ما قدمه من إبداع.. فيما الجانب الآخر من المسألة، إن أحداً من هؤلاء المبدعين لم يتفرغ كاملاً لمسألة الإبداع للطفل، وإنما كان نتاجه أقرب لفترة استراحة، أو ينتجه من باب التغيير والتنويع.
بقي أن نُشير إلى رسومات الفنان الراحل غسان السباعي الموجهة للأطفال، وهو الذي كان أحد أكثر الذين رسموا لمجلة أسامة وغيرها على مدى عقود، كما نُشير إلى أن رسامي الأطفال في دول العالم، يحتلون واجهة الصدارة في التقدير والأجور، بسبب قلة عددهم وندرتهم.