الليبرالية الحديثة.. تجارب اقتصادية فاشلة!
يزعم منظروا الليبرالية الحديثة أنه حين تطبيق أفكارهم الاقتصادية الداعية إلى “الملكية الخاصة والمبادرة الفردية وحرية العمل والتنقل والمنافسة” تتحقق المصلحة العامة تلقائياً.. وأن النمو والرخاء يتحققان للمجتمع بمجرد إشاعة “الحريات الاقتصادية”، وكف الدولة عن التدخل في الحياة الاقتصادية.
إلا أن الواقع والتجربة التاريخية يثبتان أن الأمر أعقد من ذلك بكثير، وأن التنمية الاقتصادية عملية بالغة التعقيد والتركيب، ولا ترتبط بالجانب الاقتصادي فقط، وإنما تتعدى ذلك لتتأثر بمجالات ثقافية ومؤسساتية ومالية وسياسية واجتماعية.
ويؤكد خبراء أن تجارب العديد من البلدان التي ركبت قطار التنمية الاقتصادية ولحقت بالدول المتقدمة كـ(اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة والصين..) أثبتت أن تدخل الدولة في تأطير عملية التنمية والاستثمار في المشاريع الصناعية الكبرى، وتمويل البحث العلمي وضمان تطبيق مخرجاته في مجالات الاقتصاد المختلفة كان عاملاً حاسماً في تحفيز النمو والتقدم الاقتصادي.
ولم يكن تدخل الدولة إذن بذلك السوء الذي تصفه الليبرالية ويعتقده الليبراليون .. ويكفي أن تتوفر عناصر الحوكمة الرشيدة والرؤية السليمة، والإرادة الحقيقية حتى تتمكن الدولة من الاضطلاع بدور إيجابي ومكمل بجانب القطاع الخاص في الدفع بعجلة الاقتصاد إلى الأمام.
ولنا في دول عربية باشرت بتطبيق أفكار الليبرالية الحديثة منذ مطلع التسعينيات، فبدأت عملية التحوّل هذه بشكل تدريجي، وتحت إشراف صندوق النقد الدولي، والتي كان من أبرز إجراءاتها خصخصة القطاع العام على مراحل، ورفع الدعم عن السلع، و تغيير البيئة القانونية الناظمة لعمل القطاع الخاص والاستثمار، والانضمام لمنظمة التجارة العالمية، والدخول باتفاقيات شراكة مع الاتحاد الأوروبي، واتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، إضافةً لاتفاقيات تجارة حرة مع بعض الدول الصديقة .. ولكن ماذا كانت النتائج من هذا التحول الليبرالي؟
باختصار لم يحقق الاقتصاد في هذه البلدان نمواً يُعتد به ، وبقيت نسب النمو متواضعة طوال الفترة الزمنية المشار إليها سابقاً.
بعبارة أخرى، فشل النموذج الليبرالي الاقتصادي في إحداث التنمية الاقتصادية المنشودة، وارتفعت نسب البطالة والفقر، وتعاظم العجز التجاري، وازداد حجم الديون، وازدادت الفجوة التنموية بين المحافظات وغيرها من المؤشرات.
نعم .. فشل النموذج الاقتصادي الليبرالي في معظم دول العالم الثالث والدول الاشتراكية سابقاً وبعض الدول الصناعية، وكان من أهم ضحايا الليبرالية الاقتصادية هو خروج الدولة من العملية الاقتصادية، وغياب التخطيط الاقتصادي، وضعف الدولة أمام المجتمع، وذلك بسبب تراجع مصادرها المالية.
بالمقابل هناك دول استطاعت إحداث التنمية الاقتصادية خارج هذا السياق الليبرالي ونجحت في ظل دور فاعل للدولة: تخطيطاً وتوجيهاً وتحفيزاً.