في الدقائق الأخيرة
يأبى الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب حتى الساعات الأخيرة من عمر ولايته الرحيل من دون إيجاد المزيد من الفوضى والعثرات وإثارة الغبار لملء طريق خلفه جو بايدن، الذي يُنصب اليوم رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية في مشهد غير مألوف وكأنه التحشيد لحرب مع قوى خارجية.
وللمفارقة إن العسكرة إن صحت التسمية التي تشهدها واشنطن والولايات الأخرى لا ينقصها سوى “حاملة طائرات” لتحاكي الصورة على الساحة الأمريكية مع ما تقوم به أمريكا في منطقة الخليج مثلاً، قد يكون هناك مبالغة لكن المشهد في أمريكا فاق التوقعات.
وسط هذه الأجواء، يستهدف عدوان أمريكي جوي نقاطاً للجيش العراقي، في مشهد لا يمكن فصله أولاً عن دور الجيش العراقي الأساسي في محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي، وثانياً: لا يمكن فصله عما يجري في الداخل الأمريكي، لكن كيف ذلك ولماذا؟
ببساطة، يدرك ترامب استحالة تسجيل إنجاز في الدقائق الأخيرة من شأنها أن تغير مسار الأمور لمصلحته، إلا أن ترامب يريد توريث بايدن فوضى فوق الفوضى الموجودة، فصحيح أن استهداف الجيش العراقي قد يبدو تفصيلاً من تفاصيل أكبر لكن لا يمكن فصله عن هذا السياق، إلى جانب التوترات المُثارة مع إيران وحتى مع حلفاء “ناتو” والقائمة تطول.
بمفهوم أوسع، هي ألغام يضعها ترامب في طريق بايدن ليستمر المشهد الأمريكي في حال اللايقين حتى بعد تنصيب بايدن، ففي الداخل نُذر حرب أهلية وانقسامات سياسية وطبقية واجتماعية، وفي الخارج أزمات في العلاقات الدولية وهذا بمجمله سيعرقل بايدن لفترة ليست بالقليلة.
نقطة أخرى يمكن أن تأخذ في هذا السياق، هو إيصال رسالة أن ترامب مستمر حتى الدقائق الأخيرة، ربما هي رسالة للدولة العميقة وحتى لبني جلدته أي الحزب الجمهوري الذي تخلى الكثير من أعضائه عن ترامب ولاسيما بعد فوضى “الكابيتول” التي تمت بعد تحريض ترامب لأنصاره.
على العموم، المشهد في أمريكا مازال مفتوحاً على سيناريوهات متعددة حتى بعد تنصيب بايدن، فتركة ترامب إذا حصرناها داخلياً فقط فهي ثقيلة جداً وعلى نحو غير مسبوق، وكما هو واضح فالشعبوية والعنصرية –المتأصلة أساساً في المجتمع الأمريكي- تنامت تياراتها وفردت لها مساحة كبيرة في الداخل الأمريكي أكثر من ذي قبل.
قد لا يكون بايدن أقل سوءاً من ترامب، وبكل تأكيد سيكون الحدث الأمريكي هو المسيطر على الساحة الدولية في الفترة المقبلة.