صارحني صديقٌ صيدلانيٌّ بأنه “لا يطيق” سماع فيروز في أوقات الصباحات الصيفية أو الشتوية؛ هذه التي يتغنّى بها رومانسيو الإذاعات ويصدعون بها رؤوسنا كلما أمطرت السماء أو أبرقت أو “نفنفت” بالقليل من ثلوجها.. ضحكتُ وسألته: وهل عليهم أن يضعوا لك “أغاني الكراجات” لكي تبتهج و”تُشرقط” فرحاً ونشاطاً من طلعة الضوء؟!.
أجابني: وهل علينا أن ننحشر بين هذين الخيارين فقط! ألا يوجد أغنيات لبنانية أو سورية راقية الألحان وشبه منسيّة يمكن أن يُصبّحوا بها علينا غير أغاني فيروز مع احترامي ورغبتي في الاستماع إليها مساءً فقط حيث أشعر بأنني أصبحت إنساناً آخر أقل توتّراً وعدائية كأنها خلّصتني مما علق على روحي من شوائب النهار!.
قلت له: ذكّرتني بأختي حين أفاقت مرةً وهي متورمّة العينين ترعدُ وتشتمُ وتقول: سأرفع دعوة إزعاج قضائية على مَنْ يخصّصون أغاني فيروز للفترة الصباحية!.
استوضحتُ منها لأنني أعلم أنها تعشق فيروز بكل تجلّياتها.. أجابت: يا أخي لماذا يختارون فيروز وأغانيها في الفترة الصباحية كأنها مقرّرة في منهاج الدراسة أو فرض ولا يجوز تغييرها… إنها تجعلني من حلاوتها وعذوبتها وكمية الرهافة المحمولة في كلماتها “أنسطِحُ” زيادةً وأغرقُ في “سابع نومة” بدلاً من أن تشجعّني على “الفيقة” والنشاط وترك الفراش الذي أحسه يلتصق بي مثل “اللزقة الإفرنجية” كلما زادتْ وطالتْ فقرة أغانيها الساحرة!
قلت لها مازحاً: إذاً ليس لكِ إلا طبولُ صديقنا “أبو منير” و”صَنْجاته” إذ إنّ صديقي الغالي لديه عادة موروثة؛ فإن عزمني مثلاً على كأس (متة) أو إلى وجبة غداء محترمة، وما إنْ أصلُ إلى أوّل درجة من الدرجات العشر القريبة من شقّته حتى يستقبلني – فعلاً وحقيقةً – بالنقر على الدربكة أو على الدفّ أو على الطبل الكبير الذي ورثه عن والده رحمه الله .. فيجعلني أنا وسكّان البناية وقطط الحارة والكلاب الشاردة وعصافير الشجرة المقابلة للبناء وزوجته وأولاده وحتى الصبايا بنات جارتهم العزيزة… ندبكُ (من قلب وربّ) كما لو أننا لم نفعل في حياتنا إلا “الفقش والرقش والدبكة والزلاغيط…لللييييششش”.