عن إبداع خارج الحدود
ثمة من يُقسّم الإبداع السوري اليوم – على تنوعه – إلى قسمين؛ الإبداع داخل الحدود، والإبداع المُنتج بعيداً عن الحدود بمئات وربما آلاف الأميال.
صحيحٌ؛ إنه وعلى مدى التاريخ السوري البعيد؛ كان ثمة سوريون يبدعون خارج سورية، والأمثلة منذ أيام سورية الهلنستية عندما مزج قائدٌ إغريقي عظيم كالإسكندر المقدوني بين ثقافتين عظميتين: اليونانية والفينيقية، فتشكلت الثقافة الهلنستية التي كانت حينها منارة العالم الثقافية، وهكذا انتشر المبدعون السوريون في مختلف (الإمبراطورية) التي قدمها الإسكندر للعالم، وهنا لاتزال الذاكرة الثقافية تتغنى بشاعرة مثل: بلتيس، أو سافو على سبيل المثال.
وحتى حين كانت سورية في التاريخ الروماني، فقد شكّل المبدعون السوريون فيها كبار رجالات الإمبرطورية ووصلوا حتى سدة الحكم فيها إلى كبار السوريين الذين لا تزال عمارتهم شاهقة في روما إلى اليوم كـ(أبولودور الدمشقي) وغيره.
وفي النصف الأول من القرن العشرين، شكّل المبدعون السوريون ملامح الثقافة التي قدموا إليها، واستمرّ ذلك حتى أيام الحرب على سورية وحضارتها التي لم تنقطع منذ عشر سنوات.. ففي النصف الأول من القرن العشرين احتفت العاصمة المصرية – القاهرة بالكثير من المبدعين السوريين، ليس الأخوين الأطرش – اسمهان وفريد – وحسب بل وبعشرات المفكرين والمبدعين من شعراء وفنانين وغيرهم مثل: أبو خليل القباني، وعبد الرحمن الكواكبي وغيرهما.
وفي الزمن الأول من القرن العشرين، وما قبله؛ تشكلت ظاهرة شعرية لم تقطع مجساتها مع الثقافة السورية العتيقة، كانت أشبه بمدرسة شعرية وفكرية، سواء على صعيد الشكل، أو على صعيد البنية والمضمون، وحتى الأغراض والشواغل الشعرية، وهي ظاهرة الشعر المهجري لعشرات السوريين واللبنانيين.
واليوم تمثل السورية حتى العظم الفنانة (رغده) مثالاً للسوري المبدع الذي لم يقطع حبل مشيمته مع الأم سورية مهما تعددت سنوات الغربة والهجرة.
في أيام وسنوات الحرب على سورية؛ أمسى أن تُقدم إبداعك داخل الحدود؛ ميزة في حدّ ذاتها واختباراً لـ الـ(d n a) السوري، فمعظم الروايات التي كُتبت خارج الحدود؛ كانت اليد فقط سورية، بينما الدماغ المفكر؛ كان في معظم تلك التجارب هو عدو لسورية، ولمن يُريد أن يُتعب نفسه قليلاً لنتأمل تلك الأفلام والمسلسلات التي صُنعت خارج سورية، وكذلك القنوات والمحطات الإعلامية التي حملت (اسم) سورية، وكمية الحقد الهائلة فيها على سورية والسوريين جميعاً.
في أيام الحرب على سورية؛ أمسى الإبداع من داخل الحدود، رديفاً لما يقوم به الجيش العربي السوري من مقاومة لدحر الإرهابيين الذين تعددت انتماءاتهم، ومن هنا هذه الهالة التي تُحيط بالنتاج السوري داخل الحدود رغم كل ضعف الإمكانيات، وكذلك بالمبدعين السوريين الذين آثروا الموت داخل سورية، على كل الإغراءات التي زحف إليها بعضُ السوريين خارج الحدود.
وفيما الإبداع داخل الحدود؛ سُجل كوثيقة حية عن جرائم الحرب على سورية، سقط الإبداع خارج الحدود في مزبلة (الخوذ البيضاء).