منذ الانفتاح على بعضنا بسبب وسائل التواصل الاجتماعي، بتنا نلاحظ انشغالات ثقافية جديدة وهواجس فكرية لم نكن ننتبه إليها من قبل، إذ إن تدبيج القصائد أصبح «شغلة اللي مالو شغلة»، وبكل أصناف الشعر، موزوناً وحراً، عمودياً وعرضياً، لدرجة أنك أينما تلفّت، لا بد «ستتفركش» بإحدى قصائد الومضة، أو بقصيدة هايكو «إعجازية»، أو حتى بمعلَّقة معاصرة «بتكبّ وبتعمي».
وفيما يتعلق بالرواية، أصبحت كتابتها بالكيلو و«على قفا مين يشيل»، وأغلبها سِيَر ذاتية تفوح منها (زناخة) الأنا المتورمة، أو ملاحم شخصية «مشلّخة»، أو بيانات إيديولوجية عفى عنها الزمان ومضى.
أما الفن التشكيلي، «فلا تشكيلي ببكيلك»، إذ تكاثر محترفوه كالبَقّ، بحيث باتوا (بيكاسو بقفا بيكاسو)، وبول كلي خلف نظيره، وماتيس يلاحق رودان، ودافنشي بألف خليفة، ومن المستحيل أن تقنعهم بأن نسبة «فيبوناتشي» مثلاً لا علاقة لها بالمؤامرة الإمبريالية.
وبين الفينة والأخرى تتفتَّق موهبة جديدة لمخرج سينمائي فذّ، ولا يُشقّ له غبار، مع أنه لا يعرف لقطة «البان» من «الكلوز»، أو لمخرج مسرحي صنديد من دون أن يعلم الفرق بين «الميزانسين» و«السينوغرافيا»، والأنكى منهم أولئك الممثلون الذين باتت تُفرِّخهم الشاشات كصيصان المداجن.
أما ما يتعلَّق بالتنظير، فيا ويلتاه!، إذ لدينا مُنظِّر بعيد المدى، وآخر ديالكتيكي تكتيكي معاصر، وثالث استقرائي استنباطي مُرّ، ورابع سفسطائي قادر على جعل العلقم عسلاً، والسَّواد أبيض ناصعاً، وإلى جانبهم هناك الكثير من النقاد في شتى مجالات النقد، التطبيقي منه والتحليلي والبنيوي والتركيبي،… ومع كل تلك المهن المعاصرة والبديلة والمتكاثرة يأتيك من يقول: إن نسبة البطالة لدينا مرتفعة على مستوى العالم!!!