النافذة
يريد ثلة من المثقفين الخروج من صَدفتهم .. و من ثَمّ الهروب من قِيمهم وتراثهم رغم أنهم لم يجدوا البديل .. فقط يريدون أن يهرولوا إلى الشارع !!
وخلف النافذة زجاج شفاف ومن ينظر إلى الطريق يرَ البشر يهرولون أشواطاً وأشواطاً إلى أن يسقطوا في حفر عميقة وتدفن رؤوسهم بالرمال !!
ثمة خلل بالرؤية أو باللوحة ..لأن الطبيعة منذ خلقت كانت غنية بالألوان والأصوات ونغمات الحياة الجميلة ..؟! لكن أن تصبح الألوان باهتة وتصمت الحياة وكأنها خائفة من وحش أسطوري يلتقط أنفاسها فهذا أمر غريب !! وأين هو التنوع وقد تشابهت الوجوه والملامح بفعل القص واللصق وعمليات التجميل إلى درجة تكاد تبدو وكأنها تضع أقنعة فخارية جامدة ؟ فمن يريد هذه الثقافة المعلبة التي يتم استيراد أردأ أصنافها بل بقاياها المشوهة !؟
البشر لا يختارون الظروف ولا العصر الذي يعيشون فيه، لكن إعادة مشهد الإنسان وغرس القِيم الروحية الثقافية الأصيلة فيه، وإعادة تربيته قد تولد لديه الوعي الكامل بالظروف المحيطة به، ويمكنه بذلك استنباط طرائق التغيير في تنامي قدراته وإغناء ذاته والتوجه نحو هدف حقيقي ووعي يجنبه الوقوع في حفر الآخرين .
ليست المشكلة في القيم ولن تكون يوماً لكنها مشكلة العقل الذي بدأ يفسد بفعل الإدمان على العولمة والسعي نحو التغيير، دون أن يعي أي تغيير !! هو يريد فقط القفز من الواقع الى أي مجهول !!
ويزيد من غرابته ذلك السيل العارم من الإعلام الثقافي الذي يشيع البلبلة والسطحية والجهل المركب.
القضية هي معرفة ما إذا كان هذا الاندفاع الطوفاني إلى الأمام أو الخلف أو الجمود وهل هو أمر يجري على أساس القبول أو الرفض ؟! وإذا كانت (حوامل) الثقافة العصرية من إذاعة وتلفزيون وفضائيات.. لها التأثير الواسع الانتشار بإملاء كل ما يراد قوله على السامع أو المشاهد وهو في عقر داره، ولما كانت تذيع السيئ والرديء إلى جانب الجيد، وتنشر مآثر الثقافة الكلاسيكية إلى جانب الهزل الرخيص، فإن المردود الثقافي سيكون سلبياً وتختلط فيه القيم في فوضى عجيبة تكشف مع مرور الوقت عن وجود الكثير من المسامير في المقاصد الثقافية المعولمة .