في الرأي
لعلّ من بدهيات المتعارف عليه في حياتنا أنَّ لكلٍّ رأياً خاصاً به يناسب مستوى نظرته للأمور وربما تقاطع أو تطابق مع آراء أخرى، ومن المفيد الإشارة إلى أن عامل النسيان من العوامل الطبيعية التي قد تؤدي إلى التأثير السلبي على ذي رأيٍ أو مشورة، وهذا ما عبّر عنه بعضهم على سبيل المجاز بالصدأ في الرأي، كما رأى ابن العميد ذلك في توصيفه، ووصفته التي تقضي بالتذكير، ولعلَّ التذكير يكون من بابٍ أولى من اختصاص أو من مهمة أبناء صاحبة الجلالة وغيرهم من المسموع والمرئي والإلكتروني، وعودٌ إلى الشاعر ابن العميد الذي جعلنا في الذاكرة نقرؤه أدبياً وإعلامياً، خاصةً مع اقتراب استحقاق انتخاب (اتحاد الكتّاب):
الرأيُ يصدأ كالحُسام لعارضٍ يطرا عليهِ، وصقلُهُ التذكيرُ
ومن ابن العميد وحديثه عن الصدأ غير المادي إلى صاحب أحد أهم أنضج التجارب الحياتية وأكثرها حكمةً وحكماً، إنه أحمد بن الحسين المتنبي، فكيف ذكر الرأي وقرنه بالحرية، وعلام برمج قائمة التفاضل بين الرأي الواعي الحر والشجاعة، فقدم الرأي عليها، وهذا لا يكون إلا عند ذوي الأناة والتروّي، وبالتالي ذوو الحكمة والنهي، فكيف جمع بينها بهذه السلاسة والبلاغة معاً؟، وماذا إذا اجتمع الرأي الحرُّ مع الشجاعة، ولعلّها شجاعة العقلاء،؟ ولنلاحظ أن في روزنامة أبي الطيب تقويماً دقيقا لمحلِّ ما يجب أن يتصف به الرجال ذوو الهمة والحزم والعزم، وأين موقع الرأي من الشجاعة، هو لم يقل هو يأتي أولاً فحسب، ولو اكتفى بذلك لحسبنا أن الشجاعة في مرتبة قد تكون ثالثة أو رابعة، ولكنه أراد أن يضع ترتيبها بالضبط والتحديد لكيلا يضعها أحدٌ في مرتبةٍ أقلَّ، ومن ذا الذي يستطيع ترتيب هذه الأقانيم كما يفعل المتنبي، فأعطاها درجتها ولم يدع ذلك لأحد فقال: وهي المحلُّ الثاني:
الرأيُ قبل شجاعة الشجعانِ هو أولٌ وهي المحلُّ الثاني
فإذا هما اجتمعا لنفسٍ حرةٍ بلغت من العلياء كلَّ مكانِ
ولربما طعن الفتى أقرانه بالرأي قبل تطاعن الأقران
ولعلَّ من المفيد الختام بابن خاتمة:
إن يشتبه رأيان في شيءٍ من الأشيا عليك
وضللتَ عن أَولاهما فاترك أحبَّهما إليك