الأطلال لا تثمر
بلا كلل أو ملل يسترسل أجدادنا بسرد مغامراتهم أيام الشباب ضمن حبكة يغمرها التشويق.. لكن ما كان يُفقد تلك السير بعضاً من متعتها هو تكرار طرحها منهم لأكثر من مرة في الجلسة ذاتها من دون أن ينتبهوا لتقدمهم بالسن.. وجراء ذلك كانت ترتسم على الوجوه ابتسامات منضبطة تفادياً لإحراجهم أو عتبهم وسط همس البعض بأن هذه الحلقات معادة وفي الإعادة إفادة.
هذه الحالة التي تُعدّ طبيعية لدى معظم المسنين لأسباب نفسية وصحية وهي منعكس لندرة الجديد في يومياتهم بسبب مكوثهم معظم الوقت في منازلهم.. لم تعد تنحصر بفئتهم العمرية فقط, فنحن اليوم وعلى الرغم من عدم بلوغنا سن الكهولة أُصبنا بالحالة نفسها وأصبحنا نلجأ للتهرب من تناول الأخبار الصادمة التي تباغتنا يومياً على المستوى المعيشي نتقصد التغني بالماضي الذي يعادل بوقائعه الأحلام قياساً بالحاضر الذي أشبه ما تكون أحداثه بالكوابيس.
فهذا يقضي أكثر من نصف وقت الجلسات وهو يكرر الذكريات أيام كان الراتب يُمكن من العيش الكريم.. فلا مشكلة بتأمين الأساسيات ولا ضير ببعض الكماليات.. وذاك يسابق ليعيد سيرة شرائه منزلاً بقيمة معقولة وبدفعة أولى مع أقساط ميسّرة لا استغلال ولاجشع يتخللها.. وغيرهما يعرض كيف امتلك سيارة بسعر يلائم الوفر من دخله وسط عروض تنافسية مغرية.. إلى غير ذلك الكثير من سير الأيام الخوالي.
إنها فعلاً بمنزلة الأحلام التي عشناها قبل أعوام الحرب على سورية ونحاول استحضارها وتكرار سردها لعلها تعكس مع بداية العام الجديد بريق أمل يبعث أحلاماً مبشرة بفك الحصار الجائر ولجم جموح تجار الأزمة وبدء تسارع دوران عجلة الإنتاج وخفض تكاليفه وتوقف غليان الأسعار وتحسن سعر صرف الليرة.. لكن ذلك لا شك لا يتحقق على شاكلة الأجداد بالوقوف على الأطلال ورثاء أمجاد الماضي .. بل يتطلب خلية أزمة اقتصادية قادرة على وضع خطط مدروسة بعناية بناء على معطيات الواقع والدفع بإجراءات فاعلة تستنهض الهمم وتوظف المقدرات المتاحة في مختلف المجالات.. لعلها تتكفل بوضع قاطرة تعافينا على السكة الصحيحة.