تَطبيعٌ مَجاني

في الوقت الذي تسعى كل أمة وكل دولة -حتى وإن كانت دولة مغمورة وعمرها لا يكاد يكون بعمر الإنسان- لحجز مكان لها في عالم متغير لا وجود فيه إلا للاتحاد والقوة والتعاضد والتنسيق مع محيطها، فما بالكم بالأمة العربية التي تمتلك كل مقومات الوحدة الفطرية وقديمة قدم التاريخ والجغرافيا، ولكن للأسف تتسابق بعض المشيخات وبعض العربان للارتماء بحضن الكيان الصهيوني الاحتلالي المغتصب لأرضنا ومقدساتنا، لا لشيء سوى للبقاء مدة أطول على “عروشهم”.. صحيح أن التطبيع لم يكن جديداً على أمتنا وظل أقرب للرسمي منذ اتفاقية “كامب ديفيد” بين السادات و”إسرائيل” منذ العام 1978 ثم ما يسمى “اتفاق السلام” بين للجانبين الفلسطيني و”الإسرائيلي” بأوسلو واحد 1993 ثم أوسلو 2 عام 1995 واتفاق وادي عربة بين “إسرائيل” والأردن 1994 بحجة أنها مجاورة لكيان الاحتلال وأنها تبغي السلام والتفرغ للإنتاج والتصنيع ورفاهية شعبها، فكان عذراً أقبح من فعل، والأيام أثبتت ذلك، ومع هذا وإن “صح التبرير” رغم تحفظنا عليه، فما عذر المشيخات التي لم تدخل مع الكيان الصهيوني بصراع ولا حرب ولم تقدم شهيداً على أرض فلسطين ولم تحترم المقدسات ولم تقدم سوى القليل من الأموال ليس حباً بفلسطين وشعبها، وإنما للضغط على الفلسطينيين لتقديم تنازلات لـ”إسرائيل”..

ولكن اللافت اليوم بتطبيع بعض أشقائنا كمن يدس السم بالدسم وتعبيد الطريق للكيان الصهيوني شعبياً، وليس كما جرت العادة رسمياً مع الأطراف المومأ إليها سابقاً، وذلك عبر ما يسمى بالنشاط الرياضي أو الاجتماعي والمنتدى الاقتصادي، وآخرها تحت عباءة “التسامح الديني”!، فلو كانت هذه الدول مجاورة لها، أو قدمت الشهداء إلى جانب المقاومة الفلسطينية ودعمتها بالسلاح النوعي، وذلك أضعف الإيمان، لالتمسنا لها العذر، ولكن الحقيقة تؤكد غير ذلك، والتاريخ خير شاهد على مؤامراتهم تحت الطاولة.

ويتزامن هذا التطبيع مع كيان الاحتلال بفتح الحدود على مصراعيها وهذا ما تسعى إليه، “إسرائيل” لتكون حاضرة في مياه “الأحمر” و”المتوسط” و”عدن” وعمق الخليج العربي، لتصل إلى أقرب نقطة لإيران وهذا ما يجهله العربان.

وبذات الوقت حركت الولايات المتحدة حاملة الطائرات “نيميتس” مع سفن إنزال وسفن دعم لوجيستي وطرادات وصواريخ مجنحة ومنصات دفاع جوي، تزامناً مع نشر قاذفات “بي “52 في منطقة الخليج في مهمة يراد منها أن تكون طويلة المدى، كل هذا بذريعة “ردع اعتداءات إيران”.. كلام باطل يراد به باطل، وهذا أيضاً جاء تزامناً مع زيارة وزير خارجية ترامب المنتهية صلاحيته مايك بومبيو المشؤومة إلى الجولان السوري المحتل وإلى بعض العواصم العربية سراً، وطلب منهم فتح خزائنهم وتمويل فاتورة تحركاتهم الحالية والمستقبلية وخاصة بعد اغتيال العالم النووي الإيراني البارز محسن فخري زادة وافتعال أحداث في المنطقة عامة والخليج خاصة لاستفزاز إيران ولجرها لحرب تترفع عن الانجرار إليها تريدها، وهي واعية ومدركة لسلوك ترامب الجنوني والمتهور الذي يريد أن يهرب إلى الأمام لافتعال حرب للبقاء في الحكم عامين إضافيين “حسب القانون الأمريكي”، أي أن إيران لا تريد الحرب ليس لأنها ضعيفة بل لأنها تعي جيداً أن هدف أمريكا والغرب و”إسرائيل” وبعض المشيخات هو جعل المنطقة ساحة حرب دائمة تدفع ثمنها المنطقة وشعوبها لصالح الكيان الصهيوني، ولكن خير رد على واشنطن وتل أبيب هو إنجاز رسالة فخري زادة وتحقيق حلمه لعزة بلاده والمنطقة.

المؤسف أن بعض المشيخات رغم دروس التاريخ والجغرافيا التي لا تعد ولا تحصى، لم تعِ بعد أن إيران الجارة المسلمة هي أحرص على المنطقة وشعوبها من “غيرية” الكيان الصهيوني المخادعة الكاذبة والتي خبرنا نياته حتى بعد الاتفاقيات المومأ إليها، فكان تطبيعاً مجانياً والبيع بثمن بخس وأحياناً بلا ثمن لقضية فلسطين ولقبلة المسلمين الثانية القدس الشريف، وهدر لدماء كل الشهداء الفلسطينيين والعرب وتفريط بالحقوق العربية وإفراط في التفاؤل مع قدوم حاملات الطائرات التي تعج بها المنطقة والتي ستكون مقبرة لهم وجنودها طعاماً للأسماك، ولنا في جول جمال نبراساً وهو الذي لقن “جان دارك” الفرنسية عبرة أثناء العدوان الثلاثي على مصر 1956.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار