تقويم الإبداع

كنت أظن أن الأدباء في مرحلة الشباب هم فقط من يطلقون أحكاماً سريعة ومختصرة وغير موضوعية بحق أي عمل إبداعي وبحق صاحبه، لكنني شيئاً فشيئاً تراجعت عن ذلك عندما بدأت ألمس ذلك عند أدباء في مرحلة متقدمة من عمرهم وتجربتهم، وأن الأغلب الأعم ممن كان يتيسر لي مجالستهم مرات عدة، لا يزالون يقدّمون أحكامهم على إبداعات الآخرين بالطريقة ذاتها، بخاصة إن كانت لأشخاص مجايلة لهم، فلعل الغيرة هي الخلفية الأساسية وراء أحكامهم غير المنطقية، مع أنه لا يجوز في رأينا ورأي كثيرين، أن يقول روائي عن روائي آخر: إن رواياته غير جديرة بالقراءة حتى لو كان المتحدث روائياً بارزاً في مجال الإبداع الروائي، كما لا يجوز ذلك لأي مبدع في أي مجال آخر. فمسألة تقييم إبداع ما: «موسيقي، شعري، مسرحي….إلخ»، من دون كلام تحليلي مع شواهد تثبت الملاحظات السلبية التي في النص الإبداعي، ولاسيما أنه لم يعد هذا صعباً في زمن المعلوماتية التي تساعد قارئاً ما، بقليل من البحث، على الحصول على ما كتب عن تجربة أي مبدع سواء كانت تمتدحها بغير وجه حق أو تنصفها.
وثمة مسألة تُحاكم عليها بعض النصوص، رغم أنّ لا علاقة لها بإتقان العمل الأدبي، فإن كانت أشعار فلان من الأدباء أو قصصه ذات نفس تشاؤمي، ينظرُ لها البعض على أنها كتابة دون المستوى! فمزاج أي شخص منا بالقراءة لا يجوز أن نفرضه على الآخرين، فهذه مسألة بالعموم غير مرتبطة بإتقان كتابة هذا الشعر أم لا، فأن يكون الشاعر أو القاص متشائماً لا علاقة له بعدم إتقانه ما يكتب.
وثمة مسألة أخرى أيضاً تتجسد بقرّاءٍ مهما كانت تجربتهم متمرسة بالقراءة أو بمتابعة الفنون الإبداعية، يقعون في مطبٍّ أشد سوءاً من المطب السالف ذكره أعلاه عن شريحة المبدعين، إذ من دون أن يشعروا، ما إن تذكر لهم اسم عمل أدبي صدر حديثاً حتى يبادروك بالسؤال الآتي: (كيف وجدت الرواية أو الديوان أو….) ويطالبوك بحكم تقويمي، وكأننا لا نثق بأنفسنا، مع أنه في غالب الأحيان، يختلف تقويم العمل الإبداعي، إن تلقينا المُنتج ذاته في ظروف تلقٍّ أفضل, ولذلك هذه الاستشارة -إن صحت تسميتها بذلك- هي غير موضوعية، ولا يجوز الأخذ بها حتى لو كانت موضوعية، لأن الهدف الأساس من القراءة في منأى عن تقويم كهذا.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار