سباق المتناقضات

– سقطت حبات الزيتون على الأرض ولم يأتِ المطر!!..
هو الحديث الأشمل المتداول بين المزارعين منذ الدقيقة التي يؤرخ فيها موسم القطاف موعده من كل عام، ولأني لست ممن يملكون الخبرة، والأصالة في عالم الزراعة، فعليّ أن أحذو حذوهم بكل التفاصيل، لأدعو الغيوم إلى مأدبة إفطار وجدانية تخلص روحها من التماسك على شكل تنين مسافر إلى المجهول، وعندما تحجب السماء سمعها عن الرجاء، أعود في المساء إلى مسامرة الأصدقاء، من غير الفلاحين، لأحدثهم – كخبير زراعي- عن الأسباب الخفية التي ترفض فيها الثمار الناضجة التضحية بجسدها – بالشكل الأمثل- قبل أن تستحم خضرتها الأخيرة بماء السماء !!..
– قبل ما يقارب الثلث قرن من الآن، كانت شجيرات الزيتون في قريتنا تتماهى مع الغياب، ولم أكن حينها سوى ذاك الشاب الطموح الهارب من الأحاديث التي كانت تتسكع كالتعب بين السهول الواسعة وهي ترنو إلى شجيرات القطن المقطوفة بتلاتها من رغبة التماثل غير المنظم مع الغيم، كان السباق لجني “الذهب الأبيض!” يتسابق مع طموحات ذاك التنين الطائر بجناحين من الرغبة في ملامسة صنوه على الأرض، ولم يكن الفلاحون في قريتي سوى أشباح من “عتابا” يكتنفها غموض حلم يصارع الرغبة ونقيضها فوق تراب الانتماء..
– متأخراً عن موعده المعتاد، تخلى التنين – في هذا العام- عن رغبته في التحليق، وكما سرقتني المدن من بين بتلات القطن يوم كان للحلم أضواء تخفيها شباك الرغبة ونقيضها، تعيدني شجيرات الزيتون إلى كنفها لأحتضن شمس تشرين بشغف التناقض بين الماء والنار، بشغف أبناء القرية، الذين كانوا يدعون الغيم لتبادل الفجر معهم فوق حقول القطن لتكمل دورة الحياة مسيرتها فوق أرضهم، ولابد، في الوقت ذاته، من أن يحموا البتلات البيضاء من رغبتها في ملامسة حكايات الغيوم، ففي تفاصيل الحكاية بعضاً من مفسدة لثمن كان يُنتظر منه أن يضمد شقوق الأكف التي أتعبها الانتظار.. الحكاية بدورتها الحياتية هي من استبدلت القطن بشجيرات الزيتون في قريتي، وهي من أعادتني إلى ذاك الحقل لأتابع بشغف مراحل القطاف، ومن ثم قضاء الليل بين ضجيج الآلات الحديثة لمراقبة المصير المحتوم لحبات الزيتون المحكومة أبداً بين الرغبة ونقيضها، المصير الذي سوف يحوّل الثمار إلى زيت بطعم الحياة..
جارنا البستاني العجوز كان مؤمناً بأن الإخلاص للفكرة التي منحك أيها الحلم في دورته المنسجمة والمتناقضة في الوقت ذاته مع الانتماء، هي في جوهرها من يعيد التوازن إلى الفشل ليجعل منه انتصاراً على الموت.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
ندوة فكرية ثقافية عن "النقد والنقد الإعلامي" في ثقافي أبو رمانة السفير الضحاك: سياسات الغرب العدائية أضرت بقدرة الأمم المتحدة على تنفيذ مشاريع التعافي المبكر ودعم الشعب السوري مؤتمر جمعية عمومية القدم لم يأتِ بجديد بغياب مندوبي الأندية... والتصويت على لا شيء! الرئيس الأسد يؤكد خلال لقائه خاجي عمق العلاقات بين سورية وإيران وزير الداخلية أمام مؤتمر بغداد الدولي لمكافحة المخدرات: سورية تضطلع بدور فعال في مكافحة المخدرات ومنفتحة للتعاون مع الجميع الرئيس الأسد يؤكد لوفد اتحاد المهندسين العرب على الدور الاجتماعي والتنموي للمنظمات والاتحادات العربية عقب لقائه الوزير المقداد.. أصغير خاجي: طهران تدعم مسار الحوار السياسي بين سورية وتركيا العلاقات السورية- الروسية تزدهر في عامها الـ٨٠ رئاسيات أميركا ومعيارا الشرق الأوسط والاقتصاد العالمي.. ترامب أكثر اطمئناناً بانتظار البديل الديمقراطي «الضعيف».. وهاريس الأوفر حظاً لكن المفاجآت تبقى قائمة دور المرأة المقاومة في تعزيز الانتماء وتحصين الهوية