إلى أين يسيرُ العالمُ العربيّ اليوم؟

برؤية استشرافية عميقة وأسلوب فكري متجدّد استطاع المفكّر الفرنسي إدغار موران في كتابه «إلى أين يسير العالم» شحذ الأقلام وتحريضها على اتّباع منهجية فكرية جريئة من خلال تساؤله عن الجهة التي يسير إليها العالم في ظل الأزمات المشتعلة على كل الصعد.
والجرأةُ هنا ليست محكومةً بمخرجات كتاب موران أو الأسئلة التي يثيرها عند كل فكرة يطرحها، وليست فقط محصورةً بسؤال “إلى أين يسير العالم؟”، ولكن فيما لو كان بالإمكان التخصيص، أي أن يكون الاستفهام حول الجهة التي يسير إليها العالم العربي فقط.
وحسب موران فإن الوجود يخضع لصيرورة تتضمن الماضي والحاضر والمستقبل، والتضحية بعامل على حساب عامل آخر أمر غير وارد ولا حتى جائز في فكره وأطروحاته التي أرجعت الأزمات الموجودة في العالم اليوم إلى الخلل والانحراف التاريخي غير الموروث من الماضي، الماضي الذي هو امتداد للمستقبل، الماضي المنتهي والحاضر المعلول، إلى أن خلص إلى أن ما يعانيه العالم اليوم من أزمات متلاحقة سببه “الأزمة الإنسانية المتفاقمة”.
ومن منظورٍ معقّدٍ متعدّد العلل، وملائم للواقع المتعدّد الأبعاد، هل يمكن تحميل “الأزمة الإنسانية” مسؤولية الحال المزرية التي وصلت إليها الساحة العربية اليوم؟
إن الأزمات التي تحاصر العالم كلّه من كل حدبٍ وصوب، والهيمنة التقنية وكذلك الاقتصادية لإخضاع كل القيم البشرية لثقافة الحساب والأرقام، إضافة لما يتم تصديره من سلوكيات لا أخلاقية وممارسات استعمارية والعمل على نهب خيرات الشعوب وثرواتها و.. و.. لخلق سوق ضخم تتفوّق فيه الحسابات الاقتصادية على الجانب الإنساني، واستطاع «عرّابها» السيطرة على معظم الأنظمة الغربية، هذه الأزمات لها بالتأكيد مثيلها في الساحة العربية، يشارك فيها من ارتضوا الرضوخ والارتهان لثقافة «العرّاب» الرأسمالية، «العرّاب» المستمتع بقطبيته الأحادية، والمعتنق عقيدة “جني المال وجمع الثروات على حساب حقوق الشعوب ودمائها”.
وفي مثل حال كهذه، لابد أن النظام العالمي المتوحّش سينضح بمكوناته الهدّامة، وآثار سياساته المدمّرة لابد ستكون واضحةً وكارثية على العالم كلّه، ولاسيما على العالم العربي، لما يضج به عمقه البنيوي من ثروات وما يمتلكه من مقوّمات تلبي مطامع «العرّاب» الأمريكي الذي لا ينظر إلى العالم إلا بمنظوره النفعي وبعين مصالحه والمتعطّش دائماً لاستغلال كلّ ما يحقق له هذه المصالح ولا يهمه كيف تكون آلية تحصيلها.
وبالعودة إلى المفكّر موران وكتابه الذي حرض بنظرة تركيبية لـ«اللامتوقع» و«اللاممكن»، على قراءة مشهدية عالمية تنبئ بالكوارث الإنسانية القادمة من جرّاء الجشع الرأسمالي المستعر دوماً، سنتقبل بالتأكيد احتمال إسقاط تدهور الحال على الواقع العربيّ المأزوم أصلاً سواء في ماضيه المستعمَر قروناً، أو حاضره المبتلى بكيان صهيوني غاصب استوطن قلب جغرافيته، وللتغلب على هذا الواقع، فإن البكاء على “حليب” عربي اندلق وضاع ما عاد ينفع، بل إن الوقت حان لدقّ ناقوس الخطر، وتحديد ورسم الطريق الذي يجب أن يسير عليه العرب جميعهم، ولا سبيل أمامهم إلا التحالف والتعاضد والتعاون والتضامن والشعور بالآخر لمقاومة المشروعات الإمبريالية الاستعمارية وسياسة الغطرسة والهيمنة الغربية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار