ما وراء الحدث

تبدو الساحات الإقليمية والدولية وكأنه محكوم عليها أن تكون رهن التوترات والنزاعات الدائمة، تخفت فترة وتكاد تُنسى مؤقتاً وما تلبث أن تعود التوترات إلى الواجهة وبقوة، ولاسيما عندما تجتمع عوامل الجغرافيا والسياسة والاقتصاد وتتضارب العلاقات الدولية في إحدى الساحات، هنا تختلف محددات الصراع وأسبابه وحتى مآلاته، وتتحدد طبيعة الاصطفافات الدولية ويدخل الصراع في لغة المحاور الدولية المشتبكة والمتشابكة.
ما سبق ينطبق على الصراع القائم اليوم بين أرمينيا وأذربيجان بشأن إقليم “ناغورني قره باغ” المتنازع عليه، فالمستجد اليوم هو الدخول العلني والمباشر لأطراف دولية منها من يعمل على إذكاء نار التوترات كالدور التركي ومنها من يميل للتهدئة والحلول السلمية كروسيا وإيران وغيرهما، بينما يكون المستفيد الأول والأخير من أي صراع الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها “إسرائيل”.
الوجود التركي إلى جانب أذربيجان سببه أولاً: العداء التركي التاريخي المعروف لأرمينيا، وثانياً: البحث عن جبهة جديدة تلبي مطامع رئيس النظام التركي رجب أردوغان وتحصيل “مكاسب” عجز عن تحققيها حتى الآن في سورية وليبيا، كما أن أذربيجان الغنية بالنفط والغاز مهمة في حسابات أردوغان لاعتماده بدرجة كبيرة على النفط والغاز من تلك المنطقة مع محاولات تقليل الاعتماد على الطاقة الروسية، ولأمنياته في التحول إلى مركز لتوزيع الطاقة وهذا توفره بشكل أو بآخر العلاقة مع باكو.
في الدور الأمريكي- الإسرائيلي، من المهم جداً التنقل بين الجبهات حيث الروسي والإيراني وهنا كلمة السر، ففشل أمريكا و”إسرائيل” في تحقيق أهدافهما في أكثر من مكان بسبب اصطدامهما بالدورين الروسي والإيراني دفع واشنطن و”تل أبيب” إلى محاولة خنق روسيا وإيران في محيطهما عبر إثارة القلاقل والتوترات في مناطق ذات أهمية إستراتيجية للطرفين، ومن هنا فالصراع الدائر حالياً بين أرمينيا وأذربيجان أفضل فرصة لواشنطن و”إسرائيل”، فهما يكمنان دائماً في المناخات المتوترة التي تحقق أهدافهما في بث الفوضى وزعزعة الأمن والاستقرار في أي بقعة وتبعاً لحسابات السياسة.
في لعبة المصالح الدولية لابد من ضوابط تمنع الانجراف إلى الهاوية أو إلى نقطة اللاعودة لأن عند هذه النقطة قد تتأثر المصالح السياسية والاقتصادية بطريقة أو بأخرى وبشكل سلبي، وعند هذه النقطة سيكون أحد الأطراف في موقع الخسارة لمصلحة قوة نفوذ طرف آخر، وللحؤول دون ذلك يُصار إلى إيجاد تهدئة أو تسوية والبحث في مفاوضات لحين من الزمن.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار