تكبر شجرة الغلاء في صحراء الراتب المحدود ، ولا يستطيع الموظف أن يتفيأ في ظلها ولا أن يقطف من ثمارها، فهي شجرة غير كل الأشجار، جذورها عميقة ممتدة في الأرض، وأغصانها لا تظهر مباشرة للعيان.. شجرة تشرب ماء محيطها وجيرانها فلا تشبع، وتمد شرايينها في كل اتجاه كي تسحب كل الخير إن وجد.. ورغم أن الحكم بقطع الشجرة غير المثمرة يبدو منطقياً، إلا أن المسؤولين «يطمنونا» بأن الشجرة هي مشروع غابة كاملة ستجلب الرخاء لحياة المواطنين بعد انتظارهم طويلاً تحت قيظ الصحراء.. شجرة نأمل ألا يتم تطعيمها بأشجار الفساد والمحسوبيات والاستهتار والمصلحة الشخصية، ليعيش المواطن في غابة الأشجار السامة والأعشاب الضارة طوال عمره، على أساس أنه يقضي حياته في الفردوس المفقود!.
لا يصرح المعنيون عن خططهم لجعل حياة المواطن أسهل، فكل ما يفعلونه هو «الطبطبة» والكلام المعسول عن فوائد الغابة التي يزرعونها من دون أن يخرج علينا واحد يخبرنا بخطة أو مشروع أو نتائج إيجابية يمكن أن نحصل عليها في القريب العاجل، ولو كان الأمر يتعلق بزراعة «مسكبة» نعنع، أو حقل شعير أو كزبرة. كأن القائمين على أعمال البستنة لدينا مختصون بالتصحير والتنشيف وإطلاق يد الجفاف حتى لا نبلّ ريقنا ولو بقطرة ماء!.
لقد رفعوا أسعار كل شيء، الانترنت والموبايلات والسكر والرز وشحاطات النايلون والكستناء والموز، ويومياً تصلنا قرارات التقتير والتعتير مع سيل الضرائب والحسومات على الراتب، وكأنها خدمة لغابة الأعشاب الضارة التي يزرعونها، كأننا نحن من يصرف عليهم بينما لا تملك هذه المؤسسة التي من المفترض أن تدير شؤون رفاهيتنا، أي حلول لما يجري من تدهور على الأرض!.
يطلبون منا أن نعيش بخمسين ألف ليرة في الشهر!. بينما يعيش أبناؤهم في البذخ والبحترة والتشفيط بالسيارات ليل نهار.. وإذا كنا ننادي بإعادة رفع شعار: من أين لك هذا؟ فإننا نضيف إليه اليوم: أعد كل ما نهبته من البلد يا هذا.. ولا تزايد علينا وتقول لماذا؟ فالحارة ضيقة.. و«منعرف بعض»!.