العمل على (قد) الراتب..!
الحديث عن الرواتب الهزيلة وعدم كفايتها لسد عُشر أساسيات العيش بات مكروراً ممجوجاً، وخاصةً أن المطالب بتحسينها أصبحت أشبه بالنفخ في قربة مثقوبة لا وقع لها لدى الجهات المعنية.
ما استدعى التطرق لتدني الدخل مجدداً هو انعكاساته السلبية على أداء العمل والانتفاع من ورائه، إذ لم يعد مستهجناً سماع هذا الموظف أو ذاك يتحدث عن أنه لن يعمل أكثر من ساعة أو ساعتين في اليوم على (قد) الراتب الذي يتقاضاه، وذلك إما بشكل مباشر من خلال الحضور لمثل هذا الوقت والمغادرة بعد انقضائه لدى بعض الجهات التي تتغاضى إداراتها عن الدوام لترهلها أو عدم وجود ضغط عمل يستدعي الدوام الكامل فيها، أو بشكل غير مباشر في جهات أخرى تلزم بالدوام من غير الالتفات إلى سوية الأداء، وذلك عبر قيام بعض العاملين بتبديد الوقت في شرب الشاي والقهوة والمتة والمماطلة في خدمة المراجعين.
والأمثلة في هذا المجال كثيرة وظاهرة للعيان ولا تحتاج إلى عناء الاكتشاف، فعندما يذهب المرء إلى بعض الفعاليات الصحية أو البلديات ومكاتب التوثيق العقاري ووحدات الزراعة والمياه وورش الكهرباء وغيرها، فإنه لن يتفاجأ بتأخر حضور موظف ما ومغادرته مبكراً، كما لم يعد عدم تفاعله في أداء واجبه من دون مماطلة أمراً صادماً، لأن بعض العاملين أقنع نفسه بأنه يعمل أشبه بالـ(بلاش) وقلة دوامه تأتي كردة فعل على ذلك, فيما مماطلته دافعها استجلاب المنفعة من باب الإكرامية.
المشكلة أن بعض المديريات مضطرة للتغاضي عن قصر دوام بعض كوادرها المتخصصة لقلتها والحاجة الماسة إليها، فيما “تطنش” أخرى لديها ضغط عمل كبير عن ظاهرة “الإكرامية” كي لا يتذمر العامل ويتهرب من دوامه وعمله تحت ذرائع مختلفة.
أما المطلوب فهو تعزيز ثقافة الأداء الجيد كواجب مع التلويح بالمحاسبة، على أمل أن يدرك الموظف المتقاعس بمسوغ ضعف الأجر أنه كما يضر المراجعين بمجال عمله سيلاقي ضرراً مشابهاً هو وأمثاله من موظفين في مجالات أخرى في حال تفاقمت الظاهرة، مع الإشارة إلى أن ما تقدم لا يجتث ويُحيد جذر المشكلة المعطوب والمتمثل بضعف الرواتب والأجور، إذ لا بد وقبل كل شيء نفي عوامل عوز الموظف ومن ثم محاسبته على ضعف الأداء وتسوّل الإكرامية.