فصلٌ جديدٌ في الدعم
هني الحمدان
مئات المليارات صرفت على الدعم للمواطن، وفي كل عام جديد هناك المليارات من الليرات تذهب من الخزينة لتأمين المواد الغذائية ومشتقات الطاقة، مكبدة تلك الخزينة الآلاف من الملايين، وبعد كل أشكال وألوان الدعم الحكومي وما اعتراه من عمليات خرق وتلاعب فقد تشوهت طرائقه، وتحول من هدفه السامي إلى باب استرزاق لدى البعض ممن مكّنتهم الظروف من استغلال حاجات العباد .. كل ذلك دفع إلى وجوب التدخل الرسمي لضبط إيقاع الدعم وإيصاله لمستحقيه الحقيقيين، بعيداً عن أيدي المستغلين، والآن وصلت الجهات الحكومية إلى وضع محددات من أجل إبعاد شريحة ترى فيها معاييرها أنها لا تستحق، وهي فوق أي تدخل إيجابي، وما حصل حتى اليوم يشي بالعديد من الملاحظات التي يجب التوقف عندها ملياً ..
نقول أولاً: إن الطرح جميل وضروري، فعندما يتم إيصال الدعم الحكومي إلى مستحقيه الحقيقيين تتحقق المعادلة، ويكون العدل موجوداً، أما أن توضع معايير غير منطقية لإبعاد شريحة فقد يلحق ذلك أثراً فادحاً .. ! صحيح أن البعض استفاد من موجبات الدعم وهم في غنىً عن ذلك، وكانت شريحة الدخل المرتفع أو ممن أوضاعهم ميسورة هم المستفيدون من قنوات الدعم وامتيازاته، وحرمان للشريحة المستحقة في ظل استنزاف قائم، وبالتالي وقعُ الهدر، ومنشؤه أن المواد والسلع المدعومة استفاد منها غير المستحقين وبأسعار زهيدة ،واستغلال غير عادل لدعم الدولة..
هنا دعونا نتساءل : في ظل هذا الدعم الكبير.. ماذا عالجنا من خلل اقتصادي واجتماعي تراكم خلال سنوات؟ وكتلة الدعم تتزايد مع كل ميزانية ..! وشكّل ذلك عبئاً ثقيلاً ، وخاصة بعد ارتفاع أسعار السلع وزيادة أجور الشحن وغيرها من صرفيات ضاعفت من فاتورة الدعم ، وإزاء ذلك صار التوجه نحو تقليل نسبة المستحقين، عبر تصويب مساراته، بدلاً من الفوضى والاستغلال، حسب توجه الجهات المعنية ،بمعنى؛ تضييق الحلقة، وقد تكون المرحلة الأولى من مراحل إلغاء الدعم بمجمله، فخطوة الرفع الأولى ووضع معايير بعيدة عن الواقعية والعلمية والدقة ما هي إلا ضرب أولي باتجاه الرفع الكلي ،وإن لم يكن قريباً فسيكون حتماً مع قادمات الأيام .. وكل من يبارك هذا التخبط شريك في إقصاء أسر تستحق الدعم، وشريك في إبقاء دوامة الفساد والابتزاز موجودة ، فإذا ما استمر هذا العبث عبر معايير غير منطقية لتحييد البعض من مظلة الدعم فنحن أمام دوامة لا متناهية..
هناك صعوبة حقيقية في الحصول على كمٍّ من المعلومات لتحديد من يستحق من آخر لا يستحق، وربما قد يحدث شرخٌ مابين هذه الشريحة وتلك المبعدة ، وربما تكون المعايير ظلمت شريحة وهي تستحق، وقد تحصل حالة من الصعوبة في توزيع المواد المدعومة للأسر التي تستحق، والتفريق بين المبعدة والمستحقة .. ! وغيرها من السلبيات التي ستنشأ من جراء فرز الشريحة وفق معايير غير موضوعية، الأمر الذي يولّد عدم الإنصاف وعدم الأحقية .. !
حذار أن تضعوا أسراً قد تكون مستحقة ضمن معاييركم اللا منطقية ، اتركوها خارج الحسابات واعيدوا وضع المعايير، فالقصور والتسرع غالباً مايلقنان صانعيهما درساً قاسياً.. !! لا تعتمدوا الدخل مقياساً للحصول على الدعم، فكثيرة هي الأسر التي استدانت من أجل شراء سيارة، ودفعت من رواتبها أقساطاً لسد ثمنها ..! لتدفع اليوم ثمن رفاهية إقدامها على اقتناء سيارة ..! فأي معيار هذا.. وكيف ستقتنع بمسوغاته آلاف الأسر..؟ !
إذاً المرحلة القادمة التي قد تشهد رفعاً للدعم تتطلب أن تسبقها عمليات تدقيق وترشيد بالإنفاق، والتوجه نحو الجودة بكل الأعمال والأنشطة ،بعيداً عن أي انحرافات تسجل بأي مرفق أو قطاع ..