غريب أمر بعض البشر كيف أنهم لا يتعلّمون من تجاربهم ولا من تجارب غيرهم. يستمرون في التمرغ في خطاياهم من دون لحظة تأمل في فواجعهم التي مرت أمامهم.. يرتكبون بذكاء شديد كل الحيل التي تجعلهم يربحون مؤقتاً، ويتناسون بغباءٍ مرعب آثار ما يفعلونه عليهم أنفسهم وعلى أولادهم وعلى البشر من حولهم في العمل أو البيت أو القرية أو المدينة أو البلد.
مؤخراً عانت إحدى قرى حماة من سَغَب العطش الذي كاد يفتك بسكانها بسبب انقطاع الكهرباء المزمن والمتكرر والمديد مع موجات الحرارة اللاهبة.. ورغم الاستجابة السريعة المفاجئة والمفرحة من قبل المعنيين عن الآبار الارتوازية إذ أرسلوا حوالي 400 ليتر مازوت لمحرك العنفات مع مولدة لحالات الطوارئ، لكنّ ما حصل هو أن مجموعة من اللصوص سرقوا بطارية المولدة وتركوا الضيعة بأكملها على طرف الهلاك عطشاً.. الأغرب هو تستر الأهالي عن المرتكبين رغم كل ما تناقلوه في جلساتهم العائلية، وكل الشتائم التي أطلقوها من قلبٍ محروق.. رغم كل ذلك بقيت أسماء الفاعلين مجهولة وطيّ الكتمان بشكلٍ سيشجعهم بكلّ تأكيد على إعادة فعلتهم أو على التفنن في ارتكاب شبيهاتها في غير مكان وغير زمان وهم يضحكون ويتندّرون.
ما أذهلني كما قلت هو قدرة أولئك السارقين على فعل ذلك رغم أنهم هم أنفسهم سيعطشون أيضاً.. والمؤلم أكثر أن الجهات المعنية تركتهم أو تغاضت عنهم أو تجاهلت ما حصل ناسيةً أن نصف الضيعة هم شهداء قدموا أرواحهم، كما في قرى سورية كلها، ليس من أجل حفنة فاسدين يجري الجشع في عروقهم بدلاً من جينات الشهامة والإخلاص.
كانت جدتي غزالة أم خليفة تقول لي: «اصنع جنتك بيديك يا ستّي»… ولحسن حظها رحمة الله عليها لم تعش لتشهدَ كيف أن اللصوص المتكاثرين في البلد مثل الكورونا.. أوقدوا جهنم ولا يزالوان «ينشّفون» دمنا «ليشووننا» على نار نذالتهم وقلة أخلاقهم… اللهم عافنا.