يا فجر بيروت الطويل.. عجل قليلاً!

عادة بيروت وفطرتها الأساسية القيام من الكارثة، كلما تآمرت الوضاعة والغباء مع العدوان والغدر، ولتكيد أعداءها, فإنها دائماً تقوم من تحت الردم, كزهرة اللوز في نيسان، كما قال نزار قباني. وهذا حالها الآن, بعد انفجار المرفأ, بفعل استهتار وإهمال وفساد من جانب أدوات متحالفة مع العدو الصهيوني الذي يرى في بيروت عدواً خطيراً على وجوده بسبب تعدديتها وإبداعها وأنوارها وفكرها وثقافتها وكفاءتها المالية والاقتصادية وبراعتها بالتواصل مع جهات العالم الأربع، و بسبب مقاومتها أولاً..

اختصر السيد نصر الله في خطابه يوم الجمعة الماضي جوهر ما جرى عندما نبه إلى أن ما يحدثه الإهمال والفساد وتنصيب السيئين في مفاصل إدارة المؤسسات، وما يتراكم من هذا الاستهتار والفساد عبر سنين يمكن بلحظة واحدة أن ينفجر ويدمر عاصمة كبيروت وهذا ما حدث. فكم يحتاج المسؤول من الغباء حتى يسمح بتخزين مواد شديدة الانفجار؟ وكم يحتاج من فساد الضمير من يحول خطر مواد شديدة الانفجار إلى لعبة بيروقراطية بليدة, تضيع في مراسلات البريد الوظيفي الفاسد والمهمل! وهل يتمنى العدو عميلاً ليساعده في استهداف بيروت أكثر من فاسدين مستهترين مهملين.. وعلينا ألا ننسى أن انفجار بيروت مازال يندرج ضمن إستراتيجية (الحرب الغامضة) التي تسلكها أميركا و”إسرائيل” ضد المنطقة، والتي عبرها تنفذ وبوسائل شيطانية تفجيرات أو حرائق أو تدميراً, من دون أن يعرف الفاعل. إنه الفساد والإهمال والاستهتار والغباء الذي يجعل البلاد مسرحاً وهدفاً للإستراتيجيات العدوة, عبر الانفجار بالغباء والإهمال, أو عبر الاستهداف بالحرب الغامضة, أو بكليهما معاً.

ورغم أننا نرحب ونقدر المساعدات الإنسانية العاجلة لبيروت, إلا أننا نتساءل: هل سيعود الغرب الأطلسي إلى اللعب بلبنان عبر بوابة “المساعدات الإنسانية” وحاجة لبنان إليها؟ هل كلف هذا الغرب الأطلسي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإدارة هذه الفعالية الأطلسية, خاصة أنه تحدث في بيروت عن “ضرورة إيجاد عقد سياسي جديد”؟ وهل ما يجري يندرج ضمن محاولة “تشكيل” لبنان ليناسب ما يخطط غربياً للمنطقة؟ ولأن هذا يستهدف العرب كلهم انطلاقا من بيروت فإننا نسأل: أين العرب على مستوى المبادرة السياسية لمنع الأخطار والأطلسية التي تستهدف الأمة العربية كلها وليس لبنان وسورية فقط؟

إن تفجير عروس المتوسط المتلألئة منذ ما قبل الميلاد بيروت منارة الشرق ووطن التعدد وبيت حوار الحضارات والأديان وجامعة العرب ومشفى الشعوب العربية ومبتكرة الثقافة ومبدعة الآداب والفنون.. إن تفجير بيروت درة الحضارة والطاهرة من عصبية الملوك والمطهرة من انطلاق الاستبداد.. تفجير بيروت المدنية, العلمانية, المتنورة, المبدعة, المتفوقة والمقاومة ما هو إلا محاولة اغتيال قلب من قلوب العروبة وعقل من عقول العرب وضمير حي من روح هذه الأمة..

لذلك فليس من مستفيد إلا العدو, صهيونياً كان أم أمريكياً.. انفجار بيروت أصاب العرب والعروبة.. وكم كان محمود درويش استشرافياً عندما قال: “يا فجر بيروت الطويل.. عجل قليلاً.. عجل لنعرف أين صرختنا الأخيرة.. يا فجر بيروت الطويل.. عجل قليلاً..”.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار