أسرع من كورونا
تغيب فكرة التحقق من مصادر الأخبار عن أذهان مستخدمي فيسبوك، والإشكالية هنا أن البعض يتعاطون معه كمصدر بحد ذاته، فتكتسب المعلومات والأفكار والحوادث الورادة عبره إمكانية التصديق تلقائياً عند هؤلاء، ولا سيما حين تتم صياغتها لتخاطب العاطفة من خلال مفردات تحريضية أو استفزازية تتبنى أحكاماً أخلاقية منحازة ومبتورة، كما نقرأ مثلاً في أخبار جرائم القتل والاغتصاب والمجازر أو في الروايات التي تستحضر أحداثاً وشخصيات تاريخية من دون أدنى جهد في السؤال عن صحتها أو البحث عن مصدرها الأول، وهو ما ينطبق على الصور والأرقام والتواريخ ومعظم ما يتم تداوله بين الصفحات الزرقاء.
تقول دراسة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا سنة 2018، إن الأخبار الكاذبة والإشاعات تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي أسرع بكثير من الأخبار الحقيقية، والسبب على حد وصف الباحثين قدرة هذا النوع من الأخبار الكاذبة أو المضلّلة على خلق مشاعر خوف أو اندهاش كبيرة فيزيد إقبال الناس على قراءتها ومشاركتها مع الآخرين، الأمر الذي ينطبق على أخبار فيروس كورونا اليوم، والتي يتناقلها السوريون على مدار الساعة، وتتمحور حول “أعداد المصابين، الأدوية المطلوبة للشفاء، الأعراض الظاهرة على المريض حسب درجة قوة الفيروس”، وهو ما سمّته منظمة الصحة العالمية وباءً معلوماتياً أو infodemic، ويُقصد به “انتشار كمّ هائل من المعلومات على وسائل التواصل الاجتماعي، بعضها دقيق، والكثير منها غير صحيح إطلاقاً، وبسرعة تضاهي سرعة انتشار الفيروس نفسه”!.
المطلوب هنا من وسائل الإعلام تعريف جمهور المتابعين بمهارات تمكنهم من السيطرة على ردود أفعالهم السريعة تجاه ما يصلهم في فيسبوك وغيره، والتساؤل عن “الغاية من هذه القصة، هل يسعى هذا الخبر لإقناعي بوجهة نظر معينة، ما هو مصدر المعلومة؟”، وما شابه من إشارات استفهام، يُطلق عليها مصطلح “التربية الإعلامية”، أي إمداد المتلقين والمتابعين بمهارات النقد والتحليل، حتى لا يكونوا ضحية للأخبار غير الصحيحة، والمضامين التي تحاول التأثير في الرأي العام بما يخدم فكرة أو اتجاه ما.
وبالعودة إلى أخبار كورونا، فهي تنافس اليوم خطورة المرض نفسه، وتضع منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام أمام أسئلة حقيقية، أيها الأقدر على التأثير في المتلقي واكتساب ثقته، تالياً أيها يعد مصدر معلوماته الأول؟.