كعادتها دمشق تسابق القدر، وهذه إحدى فعاليات فطرتها الإبداعية، وهذا ما فعلته مع الفنان مروان محفوظ. وبإيمانها سابقت القدر، لتكون يد الله في تلطيفه، عبر إقامة حفل عد تكريماً لمحفوظ، تكريم يليق بموهبته وفنه وإبداعه.
فرح مروان فرحاً كبيراً بتكريم دمشق له بهذه الطريقة، على مسرح الأوبرا، حيث غنى كل تاريخه، وبذلك فقد كان في دمشق ممتلئاً بالحياة، شبعاناً بكل خيراتها، عندما حانت ساعته، ودقَّ القدر بابه.. فرحل بنفس مطمئنة، عائداً إلى ربه راضياً مرضياً.
وكدمشق التي أحبته، ظلَّ محفوظ منتجاً مبدعاً لآخر لحظة في حياته، وفي الحفل الذي أقامته وزارة الثقافة في دار الأسد بدمشق تكريماً له، فاجأ مروان محفوظ الجمهور بأغنيات جديدة، سمعوها لأول مرة، إضافة لبرنامجه من أغنياته القديمة.. تصوروا، في الثمانين، ولم يفقد ابتسامته، ولم يتغير دفء صوته، ولم تفتر همته..
في الثمانين، ويقدم أغنيات جديدة، فهل عرفت سرَّ علاقته بدمشق؟ إنهما متشابهان بديمومة الإنتاج والإبداع والحياة..
قائد الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقا العربية والشرقية المايسترو أندريه الحاج، قال: (أتفقنا مع مروان على إقامة حفل تكريمي له في بيروت، إلا أن دمشق سبقتنا ولم يتح لنا هذا الشرف).
وبالفعل فإن دمشق سبقت، لأنها كانت ترصد القدر وتسابقه، ولأنها عاصمة شام اللطف من سورية ولبنان، ولأنها بيت هذا الفن الإبداعي السوري- اللبناني الواحد.
إنها دمشق البيت والحضن والأم والروح السباقة دائماً لتوفير كل ما يلزم لأرواحها المبدعة، ومروان محفوظ كان واحداً منها، منذ أن غنى (يا سيف ع الأعدا طايل) وكما أحبها وعشقها، أحبته واحتضنته.. حتى التكريم الأخير..
مروان محفوظ، صاحب الهوية السورية- اللبنانية الإبداعية، بصوته الدافئ وأدائه الأنيق ونبرته الشعبية، لفت نظر الرحابنة، فضموه إلى فرقتهم، وانتبه لفنه وديع الصافي فتعاون معه، وتأثر زياد الرحباني بأدائه، فجعله بطل مسرحيته (سهرية) ومنها أنطلق مروان إلى مسرحيات الرحابنة، ومسارح بيت الدين وبعلبك، ودائماً دمشق واللاذقية وحلب محور نشاط هذا الفنان المبدع الذي أحبه السوريون حبهم للإبداع الودود الدافئ المعبر..
رحم الله مروان محفوظ الذي سيبقى حبه لدمشق يغني لها (يا سيف ع الأعدا طايل) والذي سيبقى فنه علامة إبداع سورية – لبنانية – عربية.. بالفعل ترك مروان محفوظ روحه في الجنة ورحل..