صورٌ ميسلونيةٌ.. ومئةُ عامٍ مضت
قرنٌ من الزمان مضى على موقعة ميسلون، الفصل الأهمّ من فصول مقاومةٍ هي وليدةُ ثقافة شعبٍ أبيّ، يرفض الذلّ والخنوع، ويدرك ويعي الفرق ما بين السلام والاستسلام بعقيدة مقاومة، مبنيّة على ثوابت وطنيّة تشكّل ردَّ فعلٍ مشروعاً على فعل غير مشروع.
مئةُ عامٍ، وما زال صوت صرير مجنزرات غورو وماكينات الحرب الاستعمارية يفتعل ضجيج الحرب حيثما رأى مشغّلوها أن مخطّطاتهم وأطماعهم الانتهازية قد تجد للتحقيق سبيلاً.
مئةُ عامٍ انقضت على ذكرى ميسلون، واستغلال الغرب الطامع حركة الشعوب العربية المناهضة للاحتلال العثماني البغيض، واستنهاضها بوثبة انتهازية فرضت الانتداب وتفاصيل معاهدة/ مؤامرة، وُلد من رحمها «سايكس- بيكو» التقسيمي، وقضت على مشروعية استقلالٍ وسيادةٍ عربية.
ببضعة متطوعين، وبقايا جيش سوري انفرط عقده، كانت وقفة العزّ والبطولة أمام المدافع الفرنسية الثقيلة ومثلها الدبابات والرشاشات، لتكون هذه الوقفة بحقّ هي العنوان الرئيس للمقاومة الشعبية والفعل النوعي الذي أسّس الخريطة البطولية على طريق الوطنية السورية الحقّ.
مئةُ عامٍ، والتاريخُ مازال شاهداً على محطّات حاسمة أربكت المعادلات السياسية لكبرى الدول الاستعمارية، وخلطت الأوراق إلى حدّ صارت فيه الغايات الإجرامية بأنواعها “تسوّغ” الوسائل العدوانية، لتكون الحرب الفاجرة على سورية اليوم هي تأكيدٌ للمؤكّد، وانعطاف خطر تعيشه شعوب المنطقة انطلاقاً من حقيقة واضحة تتجسّد في أن سورية تمثل العمق الاستراتيجي لكلّ حركات التحرّر العربية.. ومع تكرار المواقف البطولية بصور ميسلونية متعدّدة كانت اللبنة الأساس لفكرة المقاومة والعمل على تعزيزها، وتعميقها، وتطويرها، وتوسيع قاعدتها الشعبية لكونها ضرورة ملحّة في وجه الاستهداف الاستراتيجي الدولي والغزو الإرهابي التدميري العسكري والاقتصادي والاستخباراتي والاجتماعي الذي لن يلجمه إلا الإيمان بقدرة الشعوب على تجسيد وفرض إرادتها، والضمان الحقّ لتحقيق النتائج والاستقلال التامّ عن كلِّ أشكال التبعية والاستلاب، من خلال تعزيز ثقافة المقاومة التي ترتقي لطموحات الشعب الأبي وأحلامه.. ثقافة متجذّرة خلّاقة، تنتقل من جيلٍ إلى آخر، وتوسّع رقعتها، وتطول المعنى الأشمل للمقاومة، وفي كلِّ حقول الفعل الاجتماعي، لأن الكلمة الفصل في تقرير المصير هي في يد الشعب الذي يجب أن يتبنّى الاصطفاف النوعي إلى جانب الخيار السياسي، من خلال قولٍ وفعلٍ ووعيٍ وممارسة وتعزيز فكرة المقاومة في وجه المشروعات الاستعمارية، أيّاً كانت ملامحها الجديدة المنضوية تحت قاعدة عدوانية هدفها “تسويغ” المشروعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واستغلال مقدّرات البلاد، وأنجع وسيلة نتصدّى بها لهذه المشروعات الاستعمارية ونقاومها هي تجنيد الوعي العام وحماية روح الأمة وركائزها، وتهيئتها لمواجهات كبرى لا تقلّ فيها المواجهة الفكرية والثقافية والاجتماعية أهميةً عن المواجهة المسلّحة حتى نيل الغايات الأسمى والوصول إلى التحرر الشامل الذي لا تستطيع الأيدي الاستعمارية الآثمة أن تطوله، أو تنتقص منه.
مئةُ عامٍ ومازالت سورية، الحضارةُ والفعلُ المقاوم والفكرُ التنويري، ولّادةً لصنوف المقاومة الاستثنائية بسلوكيات نابعة من الولاء التامّ والخالص للوطن وسيادة الحقوق التي لن تفرط بها سورية، ولن تساوم، وستقاوم حتى تحقيق النصر المؤزّر والتام.