صحيح أن الولد يأتي وتأتي رزقته معه، لكن لمن لا يعلم فإن علبة حليب الأطفال باتت اليوم بستة آلاف ليرة، ولمن لا يدري فإن جفَّ حليب الأم من الضغوطات النفسية، أو إن لم يكن مدراراً بما يكفي حاجة طفلها، فإن تلك العلبة لن تكفيه لأكثر من ثلاثة أيام، وبحسبة بسيطة، فإن حليب ذاك الطفل سيكلِّف بحدود الستين ألف ليرة شهرياً، وهو ما استدعى أحد الأصدقاء المرزوقين للبحث عن «مُرضِعة» أسوة بالأيام المجيدة السعيدة المديدة، ولأنها ببساطة قد تكون أقل كلفة وأكثر فائدة، وإن أضفنا إلى فاتورة الحليب ثمن حفوضات “الفَرْطْ”، بحيث أن كل حفوضة من النوع المتوسط تصل إلى 350 ليرة، بحسب آخر تقارير البورصة الخاصة بمؤخرة ذاك الطفل، فإنه سيحتاج إلى ما يُقارب الأربعين ألف ليرة في الشهر، هذا ولم نحسب هنا حالات الإسهال بسبب تقلبات الطقس، أو “صفقة الهوا” من المراوح أو من عند مكيف الجارة خلال صبحية الوالدة العزيزة،… أي أن تكلفة الحليب والحفوضات فقط تساوي مئة ألف ليرة شهرياً، هذا ولم نُشغِّل «الحسَّابة» فيما يتعلق بالمعقمات، والبودرة الطبية، والمراهم، وبعض أدوية خافض الحرارة الاضطرارية، وتحاميل الديكلون في حالات الطوارئ، ومُوْقِف الإسهال، ومُخفِّف المغص، ولم نضف إلى الفاتورة أجرة معاينة الطبيب مثلاً. كل ذلك يجعلنا نغير رأينا بمقولة الولد يأتي وتأتي رزقته معه، بحيث نستطيع القول بأنه يأتي – ربما بسبب انقطاع الكهرباء والملل- ويواصل استنزافاته لطاقة العائلة المالية، ويساهم من حيث لا يدري بتدهور المعيشة اليومية لأهله وإخوته، لاسيما أن أسهم حياتنا نحن السوريين باتت في أدنى مستوياتها منذ بدء الخليقة وحتى الآن، وأكثر ما نخشاه هو أن يكون مستقبلنا المُتَجسِّد بذلك الطفل هو السبيل لضنك الرزق، بحيث ينتقل أبوه وأمه من «عايشين على الحديدة» إلى «مُتَعَيِّشين على باب الله».