«وشّة» و«وشّيشة»

تتعالى الأصوات، وتتواشج مع بعضها، لتصبح وكأنها ترداد متواتر لكلمات: «الأمير» «الجميل» «الحسن»، للحظة توهم نفسك بأنّ الجميع من عُشَّاق رائعة «سانت أكزوبري» ذائعة الصيت «الأمير الصغير»، لكن بما أن واقعنا لم يعد يتسع لأي جمال بذاك المستوى، وبما أننا نعيش على الأرض وبلا أي مذنبات لتحقيق الانتقال السلس من كوكب لآخر ومن محافظة لأخرى، ولأنك وصلت إلى كراجات حرستا وليس إلى عالم الحكايا، فإنك تتخلى عن أوهامك ورغبتك بالجَمال، مُدركاً أن تلك الأصوات ليست سوى لـ«وشِّيشة» بعض شركات النقل، الذين لا يتوانون عن إيقاظ الشياطين بداخلك عبر صراخهم المتواصل، والذي لو بحثت في كل معاجم المنطق لن تجد له مُبرِّراً مُقنعاً، ولا تفسيراً معقولاً سوى زيادة عذاباتك اليومية، ورفع سعير الجحيم في تفاصيلها، وتوكيد عيشتك غير الهانئة، مثلها مثل وزارة الكهرباء التي ما زالت تعمل على مبدأ «يا رب تجي في عينه»، إذ تنتقل من الوصل شبه الدائم، وكأنك تعيش في «زيوريخ»، إلى زمن بدايات أديسون وتجاربه متفاوتة النجاح على المصباح الكهربائي، بحيث تحار مع هذا الواقع كيف تحمي برَّادك وغسالتك كثروتين لم تعد تملك غيرهما، وكيف تستطيع أن تشحن بطارية موبايلك وأحلامك الرغيدة حتى تنعم بقليل من مَعالِم الحضارة في القرن الواحد والعشرين، ولو على هيئة «ليدّات» شحيحة الضوء تعمي البصر والبصيرة خلال يومين لا أكثر، لاسيما مع التبديلات الفجائية والفجائعية في الوقت ذاته لأوقات التقنين وساعاتها، وكأن الأمر متروك بيد واحد «على البركة»، أو كما يُقال «حسب الوَشَّة» الخاصة به، ودرجة شدّتها، وليس بناءً على معطيات منطقية لها علاقة بقدرة المحولات على التزويد بالطاقة الكهربائية، وتأمين الفيول اللازم لها، وما إلى هنالك، بحيث تشعر بأنك بين «الوَشّة» و«الوشّيشة» وأمثالهما تحيا تماماً كمُتَلَقٍ دائمٍ للضربات، من دون أي طاقة لك على احتمال اللا منطق المسيطر، وبلا أي «طاقة فرج» تُصادِفك حتى في أكثر ساعات حياتك أملاً.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار