ماذا نريدُ من مجلس الشعب؟
أولى المفاخر الشعبية التي تلمّ شمل الانتماء للدولة ومؤسّساتها هي يوم الاستقلال، لذلك تحتفل الدول بهذا اليوم احتفالاً شعبياً ورسمياً.
وفي سورية التي عانت الاستعمارين القديم والحديث، من العثماني إلى الفرنسي، كان يوم الاستقلال فيها يوماً استثنائياً في ذاكرة المواطن السوري الوجدانية، التي تحيا فيها أيضاً ذكرى الانتصار في حرب تشرين التحريرية على العدوّ الصهيوني، فكان هذا اليوم احتفاليةً وطنيةً شاملةً، يتشارك فخرها والاحتفاء بها مع الدول العربية القومية، فكراً ونهجاً، إضافة لليوم التشريعي الأول لمجلس الشعب ما بعد الاستقلال، المُنتَخب مباشرةً من الشعب، وليكون المجلس بذلك إنجازاً ونصراً كبيرين، وصورةً حقيقية للديمقراطية الشعبية.
أيّ إن مجلس الشعب يعدّ بحضوره الشعبي وممارساته التشريعية نصراً سورياً ديمقراطياً، واليوم وبعد تسع سنوات ونيّف من الحرب الإرهابية على سورية، سعت كبرى الدول الغربية والصهيو-أمريكية وبعض الدول الإقليمية إلى زعزعة الاستقرار في سورية، وجلبت ويلات الحرب وتداعياتها إلى عقر الدار السورية، وكانت لهذه الحرب آثارها العامة على سورية الوطن، اجتماعياً واقتصادياً وصحياً، وكذلك آثار خاصة حدّت نوعاً ما من قدرة مؤسّساتها الوطنية على تحقيق استراتيجياتها في خضمّ هذه الحرب الظالمة وما رافقها من “عقوبات” اقتصادية وحصار خانق، ما أثّر أيضاً في قدرة مجلس الشعب على الإيفاء بوعوده، فهل المواطن السوري اليوم يعي حجم الأزمات اللامنتهية التي خلقتها الحرب وتداعياتها، ويجد المسوّغات اللازمة لأعضاء مجلس الشعب في حال لم يكونوا في مستوى التطلّعات.
أعتقد أن الشارع السوري عامّةً يدرك تلك الظروف الصعبة والانتهاكات الدولية التي أسفرت عن عناوين مؤلمة في سورية (موت- تهجير- نزوح- تدمير البنى التحتية- عقوبات اقتصادية..)، وصموده كان البرهان الأكبر على هذا الوعي، لكنه يشعر ببعض الحيف والضيم، ربما هو ضيمٌ استشعره من لا إنسانية ولا عدالة أممية ممزوجة بأسى وظلم من ذوي القربي- تواطؤ بعض الدول العربية ومشاركتها في سفك الدم السوري- ولكون مجلس الشعب هو من يمثّله؛ كان إسقاط الحيف مُركّزاً عليه، ولأسباب كثيرة لم يستطع أعضاؤه شرح المعوقات بوضوح وشفافية!
لذلك، وقبل أن نعيد قراءة القوانين جهراً، والتفريق ما بين مهامّ السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، علينا إعادة بناء الثقة ما بين المواطن السوري وممثليه من أعضاء مجلس الشعب عبر إطلاق رسائل جادّة لجميع المؤمنين بالوطن الأم سورية، والانتماء إليها، مع العمل السياسي الوطني سواء كان هؤلاء موجودين داخل سورية أو خارجها، فحواها «أن التغيير والإصلاح قادمان لا محالة، وأن الانتخابات هي البوابة التي من خلالها يمكن تحقيق التغيير المنشود»، وتأكيد أن الممارسة الانتخابية هي حقٌّ وطني قبل أن يكون حقاً شخصياً، أي إن الهمّ العام للوطن وكذلك بناؤه وإعماره ما بعد الحرب؛ يجب أن يكون هو الهمّ الرئيس الذي يتبنّاه الشعب السوري كلّه من خلال المشاركة الفعالة في الانتخابات، وتقديم مَنْ يمثلهم من خلال عملية ديمقراطية شعبية تضمن سموّ الوطن وعلوّه، وليكون مجلس الشعب بحقٍّ هو الصياغة المحدثة للنصر الديمقراطي الشعبي فيما بعد الحرب التي أرادت إرجاع سورية قروناً إلى الوراء.