ما إن استطاع تحصيل أدوية والدته، بعد زيارته لما يزيد على العشرين صيدلية، حتى أحسَّ بسعادة غامرة تملأ روحه، رغم أن جميع تلك الأدوية هي من الشركات الوطنية، وليس فيها أي صنف أجنبي، أو دواء مُهرَّب، لكن حصَّة كل صيدلية تضاءلت إلى علبة واحدة من كل صنف في معظم الأحيان، ما جعل الحصول على مجموعة أدوية مريض واحد، بحاجة إلى رحلة «مكّوكيّة» ينسى معها الشخص أوجاعه التي يُسبِّبها سعر الدواء الذي تضاعف ثلاث مرات وأكثر في بعض الحالات، وذلك لأنه نجح في تأمين دواء والدته الكفيل بالمحافظة على توازنه النفسي إثر ملامسة لاستقرار صحة أغلى ما عنده، وابتسامة الرضى على شفتي والدته والتي لا تدانيها ابتسامة أخرى.
وعلى المقلب الآخر، بعد أن استعاضت زوجته عن الليمون الحامض بعصير الحصرم، شعر بالأمان، وبأن أولاده لن يضرسوا أكثر مما هم فيه من «ضَرَسان»، قائلاً في قرارة نفسه إن حُسْنُ التدبير يجعل من العسير يسيراً، ومن الكبير صغيراً، ومن «الخيش» حريراً، ومواسياً نفسه أيضاً بأن كيلو السكر المدعوم تراجع عن غِيِّهِ قليلاً، وبات بخمسمئة ليرة، ما جعله يشعر بسعادة ما بعدها سعادة، وكأنه انتصر في إحدى معاركه المصيرية لتَحْلِيَةِ مرارة الحياة، مُتجاهلاً أنه قبل أيامٍ كان يشتريه بثلاثمئة وخمسين ليرة فقط لا غير، ومُغمضاً عينيه عن أن حصوله على سُكَّرِهِ المدعوم يستدعي منه الانتظار على طوابير مؤسسات التجارة ما يُقارب نصف النَّهار. وكل ذلك لم يؤثر على فرحه، إذ إنه لا ينظر إلا إلى النصف المملوء من الكأس، رغم يقينه التَّام بأن ذاك النصف لم يبقَ منه سوى “شفّة” واحدة لا أكثر.