نتحايل على كل شيء, على أهلنا لأننا واثقون من حبّهم لنا, على مَنْ يسألوننا عن أعمارنا وأمراضنا وكتبنا وأحبّتنا وحكايات مراهقتنا وخطايانا, نتحايل على أنفسنا ونقنعها بأننا (عال العال) وأنّ كل ما نختبره من مرارة وقهر وضغائن ونمائم ودسائس وحرارة صيف لاهبة و(غبرة) طرقاتٍ و(شَحّار اشطمانات) الباصات الصدئة والسرافيس (التنكيّة)… وأنّ كل ذلك إنما هو اختبارٌ لصبرنا نحن- السوريين- (خصّ نصّ) لأنّ طالعَنا الفلكي هو طالعُ الأبطال الصناديد القادمين من أعماق الأساطير وبرجنا العجائبيّ هو برجُ العضِّ على الشفاه لاحتمال أقسى درجات الألم بل حتى تلك التي يسمونها في الفيزياء نقطة الانمحاء أو (درجة اللاعودة) أو في الكيمياء (نقطة التحوّل) من الحالة الصلبة إلى السائلة ثم إلى البخار, فالتلاشي في سديم هذه الحياة العبثيّة التي نعيشها.
نتحايل حتى في تفاصيل يومية تافهة كأن نملأ علبة الشامبو بالماء لنستفيدَ من آخر نقطة ممكنة من رغوة (حمّام الهنا) الموعود، ونخلطَ ما تبقّى من زيت القلي مع القليل من زيت المحركات وآخر قطرات من زيت الصبر في أرواحنا لنأكل أكلة (مقالي) أو ما كانت تسمّى يوماً (أكلة الفقير).
والآن هاهنا سأتحايل أدبيّاً وأسمّي هذه الكلمات زاويةً نقديةً ساخرةً خفيفةً مضحكةً ومسليّة كي لا نقع في مطبّ الواقعية الفجّة ونصدّق أنّ هذا هو بالضبط الواقع الذي نتحايل عليه لنسمّيه حياةً لائقة وليس قصة من قصص (أنطون تشيخوف) وشخوصه البائسة أو حكاية فانتازية تخييليّة من حكايات (عزيز نيسين)… كلماتٌ هي مجرّد (لفلفة) للمواضيع لنجعلَ من الكارثيّ أمراً مقبولاً ومحتملاً ومن الجوهريّ أمراً هامشيّاً عابراً بما لا يصيبنا بـ(فالج أو فتقٍ) لا ترتقه كل حيل الساحرات في ليل انتظارنا الطويل.