.. بقدرة قادر، اختفى الدخان الوطني من محال المفرق والجملة، ليظهر في السوق السوداء بأسعار مضاعفة، وأصبحت مقولة «دخن عليها تنجلي» كابوساً يلاحق كل من يحلم بالحمراء الطويلة والقصيرة، ولأن المواطن اللبيب أصبح من الإشارة يفهم، فقد ذهب إلى بسطات التهريب كي يشتري منتجات بلده «من تم ساكت»، فهذه الجائحة سبق أن أصابت كل المواد الاستهلاكية المدعومة التي تختفي في كل مرة من المؤسسات الرسمية لتظهر في محال التجار بسعر «مدوبل» من دون أن تكتشف الإدارات حلاً لهذه المعضلة مع أن القضية واضحة ولا تحتاج إلى ذكاء كبير كما يقولون!.
مثلما كان هناك أثرياء في الحرب، ستتكون طبقة جديدة هي أثرياء الحصار، تلك الفئات التي تقتات على معاناة الناس وظروفها الصعبة، أصبحت مثل المنشار تأكل وتزيد ثرواتها كلما ضاقت الظروف أكثر على البشر، والغريب أنه في كل مرة، سرعان ما تتشكل شبكات كاملة تنسق مع بعضها البعض للاستفادة من ظرفٍ ما أو من ضائقة أو من شحّ في المواد الغذائية، فالأسماء والعناوين والأدوار معروفة تماماً بالنسبة للمواطن العادي، فكيف بالنسبة للإدارات التي يفترض أن تلاحق وتكافح تلك الظاهرة التي تحولت إلى سرطان يفتك بالاقتصاد الوطني؟.. فالمناشير التي تأكل الأخضر واليابس أصبحت محتاجة إلى تقليم أسنان بل إلى قلع أنياب أيضاً، خاصة بعد أن استشرت الظاهرة وبات العضّ والنهش أسلوباً يمارس في الأسواق بشكل علني.. يا لطيف!.
قال الأجداد يوماً لأحفادهم: “خبئوا قروشكم البيضاء لأيامكم السوداء”، لكنهم لم يدروا أن هناك أسواقاً سوداء ممتلئة بالقروش والحيتان، تسوّد العيشة، وكلما ابتعلت شيئاً قالت: هل من مزيد؟.