امتحانٌ حكوميٌ
يحدثُ في سورية هذه الأيام تكاثفٌ في موسم الامتحانات، فقطاع التربية يشرف على امتحانات شهادتي التعليم الأساسي والثانوية، وأغلب عائلاتنا السورية تعيش قلقاً ورهبةً مبعثهما امتحانات أبنائها.. رهبةٌ.. توترٌ.. قلقٌ.. هي عناوين إلزاميةٌ ترافق أيّ امتحان، والحالة ذاتها تسيطر أيضاً على القطاع الصحي الذي يجابه الوباء العالمي «كورونا» ولاسيما أنه يعاني ما يعانيه من جراء الحرب الإرهابية والاستنزافية على سورية التي طالت القطاع الصحي كبقية القطاعات الخدمية الأخرى، لكن وباء «كورونا» جعله أمام الامتحان الأصعب، بقدراته الضعيفة وإمكاناته المتواضعة من جراء الدمار والتخريب المتعمّد بسبب الإرهاب والإجراءات القسرية الجائرة الأمريكية- الغربية.
نعم.. سلسلة الامتحان القسري فرضت حضورها على الشارع السوري بكل نواحيه الصحية، والاجتماعية، والتربوية، والثقافية، وأصعبها الاقتصادية، “فالعقوبات” الإجرامية التي يغضَّ المجتمع الدولي الطرف عنها تطول لقمة عيش المواطن السوري ودواءه، وعلى الرغم من أن البنود المفروضة فيما يسمى «قانون قيصر» هي بنود مطّبقة على نحو مباشر وغير مباشر منذ فترة طويلة لكنه -وحتى يلبي الغايات العدوانية المطروحة له في مثل هذا التوقيت- كان على العدو تجنيد ما أمكن من أدوات وخطط وتكتيك لاستنزاف ما أمكن من طاقة الشعب السوري، من خلال اللعب في مضمار الحرب النفسية، وافتعال الأزمات وتجييش بنادقها وعملائها لخلق الشائعات، وفي المقابل، سرقة ما استطاعت له هذه القوى العدوانية سبيلاً من خيرات البلاد، فلم يكفها احتلال أهمّ موارد سورية النفطية، بل إنها تقوم بسرقة محصول القمح أو حرقه بعد الإيعاز لأذرعها الإرهابية باستكمال الضغط الاقتصادي والنفسي إمعاناً في الحصار الوحشي.
وهنا، يكمن الامتحان الأهّم الذي يقع على عاتق الحكومة، من حيث تعاطيها مع سلسلة الأزمات الدخيلة على خططها من جراء الحرب الإرهابية والحصار الاقتصادي ومن حيث كيفية استثمار الخيارات المتاحة.
وفي امتحانات كهذه، هل تقع مسؤولية إدارة الأزمات على عاتق جهة معينة هي الحكومة فقط أم هي امتحان شامل يؤطِّر المجتمع السوري عامة بكل مفاصله ومؤسساته؟
وهل المواطن- الفرد معنيٌّ أيضاً بالمشاركة في إدارة أزمات كهذه؟
من المستحيل على الحكومة وحدها النجاحُ في تطويق الأزمات وتحقيق خطوات ناجعة للخروج بأقلّ الخسائر مما نمرّ فيه، ما لم تشاركها، وتتعاون معها جميع المؤسسات والقطاعات بطريقة ممنهجة تفرز نقاط الضعف وتتلافاها، وتركّز على نقاط القوة وتنمّيها، إضافةً إلى تعاون المواطن من خلال ثقته في إجراءات الحكومة وتصريحات الجهات المعنّية، وهذا لا يتأتى إلا من خلال تعزيز الثقة مابين الحكومة والمواطن ومحاسبة المفسدين والفاسدين والمقصّرين..
إذاً.. فالامتحان الأصعب أمام الحكومة الآن بات قيد التنفيذ، ما يرتّب عليها أن تعيش حالةَ استنفار، والبدء سريعاً بالعمل الإسعافي بعيداً عن الإنشاء والتنظيرات، حيث الزمان وعناوين تاريخه اليومي الموقّع ببصمة إبهام القوى الغربية “بزعامة” أمريكا، لا وقت فيه للدراسات والاستراتيجيات، فالوقت اليوم كالسيف، ولابدّ من تحقيق حلولٍ إسعافية مبنيِّة على ركائز قابلة للتحقيق، وتلبّي طموح المواطن المتأذي والمستهدف الأوّل من جراء الحصار الاقتصادي، وبذلك تكمل الدولة السورية مسيرة الانتصارات الأسطورية التي حققتها على الإرهاب وداعميه، وكما كان النصر في الميدان على أعتى قوى الشر، لابد أن الدولة قادرةٌ اليوم على استكمال النصر بنجاح الفريق الحكومي مسنوداً بصمود المواطن السوري في أصعب امتحانٍ.