شك في الشك

حين غنت أم كلثوم رائعتها «ثورة الشك» حققت الأغنية لفخامة صوتها وبلاغة كلماتها وعبقرية لحنها مسرحية غنائية تشدك لربوع الحلم والتخيل وتوقع بك في فخ «السلطنة والتأوه بالأووووف » وهي تنشد:
)أكاد أشك في نفسي لأني أكاد أشك فيك وأنت مني(
لايمكن للشك أن يتحول من ظاهرة ليصير إشكالية إلا إذا غنته أم كلثوم بصوتها وأوصلت المعنى الكامن في قلب الشاعر(الأمير عبدالله الفيصل) وبلحن أسطوري (رياض السنباطي) فيكون الشك في الشك ذاته!!
إذاً هي ثلاثية هرمية وراء النجاح الاستثنائي الذي استطاعت« كوكب الشرق» تحقيقه وماكان الصوت بمساحته ومقاماته وجواباته وتضاد حالاته من رخامة ونعومة و جهارة وخفوت قادراً على استمرارية التأثير حتى يومنا الحالي لولا الانصهار الابداعي لتقديم جودة فكرية في صناعة العمل الفني.
ثقافة الزمن الجميل وثقافة الكلمة واللحن استطاعت أن تجعل من أم كلثوم مطربة رغم وفاتها إلا أن عصرها لم ينتهِ..
في المقابل، مطربو اليوم رغم الإمكانات اللا منتهية للترويج والتسويق واستغلال ما أمكن من وسائل التواصل الاجتماعي لحضور أغانيهم إلا أنها غير قادرة على تحقيق الثبات في الذهن والخاطر رغم شهرتها الآنية إلا أنها سريعة النسيان.. و« سكرها المحلي والكريمة فورة شهرة »، واستحالة أن تصل لثورة غنائية أيام الزمن الجميل.
وعلى قولة الزعيم عادل إمام :«فين أيامك أحمد رامي ومأمون الشناوي والقصبجي والموجي والطويل وعبد الوهاب وبيرم التونسي..»؟
وأياً كانت مخرجات اليوم الفنية لا خوف من استهلاكيتها وهي العابرة مادامت سطوة الذائقة العامة والثقافة الفنية للأبيض والأسود هي المسيطرة على وجدانيات الناس وأبسط طقطوقة قادرة على شد البساط من تحت أهم الأغاني الحداثية لذلك غنوا ماشئتم و«جنوا ونطوا »في حفلاتكم وأعراسكم إلا أنكم لن تستطيعوا خوض الرهان ولا حتى المقامرة بكامل رصيد مشاهداتكم ومتابعاتكم اذا ماتمت الدندنة:
«وما أنا بالمصدق فيك قولاً.. ولكني شقيت بحسن ظني»

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار