قرر جارنا الأربعيني «أبو محمد» أن يتخلَّى عن عزلته، ويخوض غمار تجربة حياتية جديدة بعد أشهرٍ من الحجر الصحي الذي التزم بحذافيره مع عائلته الصغيرة.
ارتدى طقمه السَّفري ذا اللون الفستقي، ولمَّع حذاءه، مُقرِّراً مُقارعةَ نُظرائه من المواطنين «المبحبحين»، من خلال الدخول إلى أحد المولات التجارية الراقية. استغرب الزحام مُشبِّهاً إياه بيوم الحشر، لكنه تغاضى عن ذلك مع المتغاضين، ولأنه بلا هدف واضح للشراء، صار يدخل من قسم أدوات المطبخ، ويخرج من جناح العدد الصناعية، يتفرَّج على محتويات قسم البياضات، ويتابع مسيره إلى طابق المواد الغذائية، فالألبسة، وهكذا، بحيث إن القاسم المشترك الأكبر لتجواله تمحور حول الغصَّات المتتالية، والحرقة في القلب، والشعور بالغثيان، إلى جانب آلام الظهر، لدرجة اضطر معها أن يضع يديه على خاصرتيه مرّةً، وعلى المنطقة القطنية من عموده الفقري مرة أخرى، تماماً كما تفعل المرأة الحامل، إذ لم تصدِّق عيناه أن ثلاثة علبٍ خشبية للملح والسكر والشاي بـ54 ألف ليرة، وأن حقيبة جلدية كانت بـ16 ألفاً باتت الآن بـ62 ألفاً، والعفو، «شحاطة نايلون» صارت بـ 8000 ليرة، وقميص أقل من عادي بـ36 ألفاً… وعندما شعر بأن عينيه ما عادت تستوعب ما تراه من أصفار، استنجد بموظف المبيعات في قسم الأدوات المنزلية، سائلاً إياه عن سعر أحد الأفران، فأجابه بأنه مليون و400 ألف ليرة.
وكيلا يبدأ لديه «الطَّلقْ» مما شاهده بأم العين، وخوفاً من أن يولد الجنين مُشوَّهاً، أو على الأقل موسوماً بوحمة كبيرة بفعل الحرمان، لجأ إلى قسم «الشيبس»، اشترى منه كيسين لابنتيه، وعند طاولة المحاسب دفع ثمنهما 500 ليرة، وتزامن وجوده عن «الكاشيير» مع امرأة ملأت سلَّتها بما لذَّ وطاب، وخلفها مباشرةً صبية ثلاثينية خجولة بيدها علبتا بسكويت، دفعت لقاءهما 500 ليرة أيضاً، بينما عيناها ابتسمتا لعيني «أبو محمد» المتعبتين وكأنهما تقولان: «لا تحزن، الحال من بعضه».