لم نعد نعرف لماذا بالضبط تُقامُ الدبكات الشعبية و”طقاطيق” الفرح الخُلّبية كلما ذُكِرَتْ كلمةُ “الغوطة” الدمشقية، شرقيّةً كانت أم غربية وجنوبية ؟ وأخصّ بالذكر غوطة صحنايا، إذ إنّ متعهّدي العقارات الجهلاء منهم والخبثاء وحتى الناس العاديين ضحّوا بكل ما حفظته لهم الأرض وما أورثَهم إياه آباؤهم من أراضٍ وأشجار زيتون مثمرة ولم يُبقوا من هذه “الغوطة” إلا فلاحينَ مقهورين يطحنون حصى المعاناة والندم تحت أضراسهم، وبعضَ “التركتورات” الصدئة التي كنّا نتغنّى بها في أناشيد المدرسة مع الزغاريد المُزيفة في عيد الشجرة.
لم تعد تنفع معنا الحِكمُ والأمثال الشعبية وحكايا الجدّات، فأشجارنا لم تعدْ “رئات المدن وفسحة الروح” لأنها وبقدرة المشعوذين أصحاب النيران المتنقلة أصبحت فحماً يباع ويشرى بالملايين. وأشجار الزيتون المقدّسة لم تعد مباركة بزيتها وثمارها وظلالها وعمرها المديد؛ وإنما صارت طُعماً جاذباً للمستثمرين الذين طوّعوا القوانين التي تُحرِّم قطعها وحولوها من دون أدنى إحساس بالذنب إلى متنزهاتٍ سياحية يرتادها الناس ويتركونها خلفهم -وهمّ يصطهجون ويدبكون- كما لو أنها مكبّاتُ نفاياتٍ لعلب الكولا وقناني البلاستك وحفّاضات الأطفال.
فلا تكونوا شجراً يا الأصدقاء. لأنكم في هذه الأزمان ستوقَدون حطباً لنيران الجشع الأعمى وجحيم الحقد الداشر أو “ستيبسون” من دونِ ماءِ المحبة المشبع بالخصوبة وأحلامِ العاشقين إلى جواركم وتحت ظلالكم.
لا تكونوا شجراً يا أصدقائي فتموتوا محروقين أو مرشوقين بحجارةِ الحسد وضغائنِ الجهل… وفي أحسن الأحوال ستتحوّلون إلى ذكرى أو استعارةٍ جميلةٍ في قصيدة شاعرٍ رومانسيٍّ أو إلى شخصيّةٍ كرتونيةٍ في قصص الأطفال الخيالية…
فلا تكونوا شجراً يا أحبّة… لا تكونوا شجراً.