من تأملات الأوبئة!

 خبراء الكورونا سحبوا البساط من تحت المحللين والخبراء الاستراتيجيين الذين يظهرون عادة في نشرات الأخبار.. ولأن القاعدة تقول: “قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق”، لم تمانع بعض الشاشات من وضع صفة “خبير فايروسات” إلى جانب “خبير في العلاقات الدولية والاستراتيجية”، لأن القضايا كلها متصلة ببعضها بالنسبة إليهم وبالتالي لم يكن غريباً أن نستمع إلى أحد الخبراء وهو يتحدث عن فوائد المليسة والرغرغة بالمياه المالحة فور انتهاء حديثه عن الحروب وسقوط الإمبراطوريات الضخمة بسبب التنافس الاقتصادي والسياسي على قيادة العالم.. كأن الوباء الجديد جلب برفقته جائحة يقودها غير الاختصاصيين الذين يرتجلون ويستفيضون في الصحة والسلامة العامة والأبعاد الماورائية للفايروس الذي تم طبخه في طناجر الدوائر الخفية التي تحاول السيطرة على العام بشتى السبل!.
.. أثناء العزلة “الكورنية” التي يحياها البشر داخل المنازل في هذه المرحلة، كان هناك فرصة لاكتشاف الذات والتعرف على الآخرين كأننا نشاهدهم لأول مرة رغم أنهم جزء من الأسرة.. البعض اكتشف مواهبه في الطبخ وآخرون عقدوا هدنة مؤقتة مع الخوف من الموت، واستعاد البعض الثقة، بينما انهار جزء آخر بعامل الإشاعات وفتاوى الخبراء غير الاختصاصيين الذين أشرنا إليهم أعلاه.. كأن الإنسان صحا من اغترابه فجأة ليجد الطاسة قد ضاعت فعلاً بين تحليلات المليار الذهبي والرأسمالية المتوحشة والشعوب التي تبحث سحب لقمة الخبز من داخل الأوبئة والأمراض والفقر.. كوكتيل غريب عجيب يتوقع له أن يعيد ترتيب الروح البشرية إذا ما كتب لها النجاة مما يرسم لها في الكواليس!.
.. شخصياً، استحضرت شخصيات رواياتي المفضلة.. “زوربا” كانتزاكيس، و”فيرمينا داثا” ماركيز من الحب في زمن الكوليرا.. إلى جانب “إيفالونا” من حكايات إيزابيل الليندي.. و”سانشو” من طواحين دونكيشوت ومبدعها سرفانتس.. الكل يجتمعون الآن بانتظار “غودو” الذي تأخر عن الاجتماع قليلاً…!.
قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار