حَجْر جماليّ!

مذهلةٌ ومؤلمة هذي الجملة: “لقد انتهت حلول الأرض… وننتظر حلول السماء”! وسواءٌ كانت حقيقيةً أو رمزيةً أو مختلقة فإنها للحظةٍ تُدخِلُ القشعريرة إلى أبداننا. كأننا نقف للحظةٍ أمام الانزلاق الأخير نحو الهاوية، نحو نهايةٍ تراجيديّةٍ لم تكنْ لتخطرَ على بال سوفوكليس أو شكسبير.
الأسواقُ خاوية، والمدن مقفرة، والشوارع تصفر فيها الريح، وقاعات الموسيقا تسترجع صدى النايات وهمهمات الطلاب…كأنَّ المدن بأكملها أصبحت ديكوراً لفيلم خياليّ أو “ماكيتاً” مسرحيّاً من ملحمةٍ إغريقية ينتظر فيها الممثلون أدوارهم ليقولوا جملتهم الأخيرة في مشهدٍ وداعيٍّ أخير!.
لم تعد المسألة فقط في الحجْر الصحيّ الإلزاميّ والضروري كمنجاةٍ أكيدة للجميع، بل هناك شيءٌ ما يصرخُ من أعماق الكينونة البشرية: إمّا الآن أو فلتكن القيامة. إمّا أن نكونَ كما خلقنا الله على صورته الأنقى والأجمل والأبهى والأصلحَ أو فليكن الطوفان وبلا سفينة.
كأنَّ ما يحصل ينبّهنا بضربةٍ من مخلب الفقدان المحتمل إلى ضرورة “أن نحجُرَ صحّياً” على كل ما هو جميلٌ فينا، على بساطتنا وتلقائيتنا التي خسرناها ونحن نغالب الدنيا لنربح خبزنا كفاف يومنا، أن نحجرَ جمالياً على أحبّتنا وأهلنا والضحكات الصافية الصادقة في ليل السهرات التي لم تعد من يومياتنا، على أصدقائنا الذين خسرناهم ونحن نكيل لهم النقدَ والحسدَ أو التجاهلَ والإهمال. أن نلجأَ إلى حجْرٍ جماليٍّ على ما تبقى من إنسانيتنا، ومن تبقّى من تجارٍ إنسانيون، ومعلّمون رُحمَاء، وصُنّاعٌ طوّعوا حديدَ المأساة ليصنعوا منها نصْلَ صبرنا، ومتطوعون ومتطوعات نزلوا إلى ساحات خاويةٍ ليعقّموها ويكنسوا عنها أحزانها ويعيدوا إليها أقواس قزحها قريباً.
لعلّ حلول الأرض لم تنفد بعد. لعلّنا نتعلّم من أمهاتنا كيفَ نصبرُ على لحظات غبائنا وحماقاتنا وطيشنا فنلتزمُ خلوتنا الذاتية. أن نصبِرَ كما تصبرُ أزهارُ اللوز على صقيع الشتاءات فتربحُ هي جمالَها… ونكسبُ نحنُ ليس فقط جمال تويجاتها… بل “قرقشة العوجا” وطعمها اللذيذ التي تعِدُنا به.
قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار