ما بين كلالة دولةٍ وصحوتها.. الصينُ مثالاً
اتفق فلاسفة السياسة على تعريف الدولة بأنها مجموعة من الأفراد الذين يمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي محدّد، ويخضعون لنظام سياسيٍّ معين متفق عليه فيما بينهم، يتولّى شؤون الدولة، أي إن الشعب هو عنصر مهمّ وأساس لتكوّن الدولة، لكن هذا العنصر لا يكفي لنشأتها إن لم يتوافر بين الجماعة الإنسانية قدرٌ من الانسجام والتآلف والشعور بالمصير المشترك.
هذه الديباجة ليست مجرد تنظير سياسيّ في العلاقات الدولية، بل هي حاجة وطنية ودستور نجاة يجب علينا مراجعته دائماً والعمل على ترسيخه، نظرياً وعملياً، وخاصة في ظلّ الأزمات.
ومن التعريفات المهمة للدولة أيضاً لدى الباحثين تعريفٌ يختزل الدولة بأنها شخصٌ معنويٌ يمثّل، قانوناً مجموعةً من الأفراد المرتبطين معاً، معنوياً، واقتصادياً وعقائدياً، ويقطنون أرضاً معيّنة، وفي يد هذا الشخص مقاليد السلطة العامة، أي إن الدولة هي ربّ أسرة تخضع لقوانينه من أجل تحقيق الازدهار لها على كل الصعد، فكيف سيكون الحال عليه لو تعرضت هذه الدولة/الأب لأزمة ما.
إن الحلّ الأمثل هو في تكاتف جهود هذه الأسرة وتعاضدها والامتثال امتثالاً تاماً لتعاليم وتحذيرات ربّ الأسرة لأنها طوق النجاة لهم، حتى للابن الضالّ الذي عليه أن يعي جيداً أن سلامته محصورةٌ فقط بالإيمان التام بتعاليم الدولة/الأب والالتزام بقوانينها سلوكاً.
والتجربة الصينية مع فايروس «كورونا» (covid-19) خير مثال، إذ تصدّرت الصين من جرّائه في الأشهر الأولى من عام 2020 الأخبار العالمية، هذا التصدّر الإعلامي الذي لم يكن بسبب إحصاءات انتشار المرض وتعداد ضحاياه والناجين منه فقط، بل لأن الصين استطاعت، وبجدارة، إقحام اسمها الذي تجاوز مشهدية دولة منكوبة من جرّاء وباء قاتل، إلى فرض حضور استثنائي على الساحة الدولية من خلال قدرتها على احتواء هذا «الفايروس» وانتصارها في مواجهته بشراسة لا تقلّ عن شراسته.
ولأنها استطاعت كذلك أنسنة السياسة من خلال نشر ظلّها الإنساني والأخلاقي على الساحة الدولية، فكانت الدولة صاحبة الكفّ البيضاء تجاه دول تعاني ما عانته من تداعيات هذا الوباء.. انتصارٌ أثار استغراب الصحف الأمريكية عبر لسان الـ«نيويورك تايمز» التي أرجعته إلى استخدام الصين أسلوب «القوة الصارمة»، وكذلك الأمر مع مسؤول خبراء التحقيق التابع لمنظمة الصحة العالمية «بروس إيلوارد» الذي امتدح التجربة الصينية قائلاً: «اتخذت الصين أساليب صارمة ومبتكرة قائمةً على معايير الصحة العامة التي لم نرَ مثيلاً لها في التاريخ».
وأياً تكن التسويغات والمباركات للصين فإنها تحمل ربما شيئاً من الغبن تجاهها لأن الصين فرضت حضورها دولةً إنسانيةً صاعدةً على الساحة الدولية في وجه الولايات المتحدة الأمريكية، الدولة المهيمنة بعدائية، والتي ترتكب الجرائم بكلّ أنواعها ومسمياتها، والداعم الأول للإرهاب في العالم، والسبب الرئيس وراء الحروب والنزاعات والكوارث الإنسانية، خاصة وهي تفرض الحصار الاقتصادي الذي يعدّ جريمة ضد الإنسانية ولاسيما في زمن الـ«كورونا»، ومادامت مستمرة في فرض نهجها الإمبريالي لتحقيق تفوّقها الآني وحضورها السلطوي الآفل لا محالة.
وحتى لو كانت الصين استخدمت مجازاً «القوة الصارمة» مع شعبها في مواجهة هذا الوباء، فإنه: استناداً لتعريف الدولة كـ«ربٍّ» للأسرة، فإنه يحقّ لها استخدام كلّ ما هو متاح من إمكانات وأساليب تحقق لشعبها السلامة والأمان، وحضّهم على التحصّن بالولاء لها والانتماء إليها لأنه المصل الناجع ضدّ أيّ وباء، حتى لو كان كلالة فايروس اسمه «كورونا».