ترامب واستثمارُ الهُراء والهَبَل
مابين الهلوسة والهبل والمفردات المجنونة والتصريحات اللامعدودة؛ هل يمكن أن تكون «تغريدات» الرئيس الأمريكي دونالد ترامب زلّات لسان عشوائيةً، أم إنها ذراع من أذرع «القوة الناعمة».
«تغريدات» ترامب الذي يستهلك بكثرة وسائل التواصل الاجتماعي، ولاسيما منصة «تويتر»، إذ تصل «تغريداته» في الـ 24 ساعة إلى 160 «تغريدة»، حتى إن البيت الأبيض يعدّها بمنزلة تصريحات رسميّة بشأن كلّ ما تغطيه وتتناوله من موضوعات، هل يمكن أن تكون، حسب رأي جورج لاكوف الفيلسوف الأمريكي، مقصودةً وليست مجنونةً ولا مهووسةً، لكنها طريقة فعّالة وذكية يلجأ إليها ترامب سلاحاً للسيطرة على دورة الأخبار بطريقة تكتيكية واستراتيجية مدروسة، يهدف من خلالها «أي التغريدات» للهيمنة على وسائل التواصل الاجتماعي وتكرارها في وسائل الإعلام الأخرى على نحوٍ متكرر وهائل، لأن تكرار الرسائل، حسب لاكوف، أيضاً يساعد جيداً في ترسيخها وزيادة تأثيرها في الأفراد والجماعات.
نعم.. لقد استطاع ترامب أن يجعل هراءه وهلوسة «تغريداته» وتصريحاته المتهوّرة تحتل العناوين الكبرى في الصحافة، من خلال إثارة الجدل بشأنها وتحويل الانتباه عن الحقائق الكبيرة والأحداث التي لا يريد أن تغطيها وسائل الإعلام وتتابعها.. ما يجعل رؤية لاكوف تستحقّ التفكير والتأني حين إصدار الحكم على «تغريدات» ترامب هل هي هلوسة أم عن سابق إصرار ونيّة مادامت مصكوكةً باعتراف الإدارة الأمريكية التي تعتمد سياسة المراوغة واستخدام «القوة الناعمة» لتحقيق مصالحها وأهدافها وفرض هيمنتها.
في المقلب الآخر، يستاء الكثير من الساسة الأمريكان، وحتى الكادر الرئاسي المرافق لترامب من «تغريداته» اللامسؤولة، لكن السؤال: هل استياؤهم من «تغريداته» فقط، أم من سياسته اللامسؤولة والمتهورة أيضاً التي يرى البعض أنها تشكّل خطراً على الأمن القومي الأمريكي وخطراً على البيئة، بل هي خطرٌ على الإنسانية جمعاء من جراء الحروب الكارثية التي يفتعلها، وتدخّلاته اللاقانونية في شؤون الدول المستقلة وذات السيادة!!
فصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية ترى «أن موقع التدوين المصغر هو مدفع في يد ترامب، إذ إنه يستيقظ مبكراً ليطلق النيران على خصومه المحتملين».
أما آخر تصريحاته التي تظهر نفاقه وأهدافه الخبيثة، فقد كانت عن وباء «كورونا»، إذ إنه أعلن حالة الطوارئ في الولايات المتحدة الأمريكية كاملةً، بينما كان قبل أيام يتنطّح بالقول: «إن فيروس الأنفلونزا هو أكثر أهميةً وخطورةً من كورونا، وإنه في العام الماضي توفي 37 ألف أمريكي من الأنفلونزا الشائعة، في حين حتى هذه اللحظة ليس هناك إلا 546 حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا وتوفي 22 شخصاً.. فكّروا في الأمر».
فهل تصريحات ترامب هذه ستبقى زلّات لسانٍ ومجرد هلوسة ملياردير يتربّع على عرش أمريكا، أم إنها وسيلة إلهاء للرأي العام العالمي وتشتيت انتباهه على نحو يخدم مصالحه الشخصية داخل المجتمع الأمريكي أولاً ومن ثم مصالح أمريكا في العالم ثانيةً؟.