«شرعنة» الإجرام!

خاض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حملته الانتخابية تحت شعار «الانسحاب من الحروب التي لا تنتهي في الشرق الأوسط»، لكنه استطاع وبـ (11000) تغريدة أن يشعل عبر كلٍّ منها حرباً على مقاس حب الهيمنة المستوطنة في العقل الباطني والمخابراتي للجسم الأمريكي؛ المستعد دوماً لتجسيدها وممارستها عبر فرضها على الآخرين بالقوة وانتهاك سيادة الدول والتحكم بمصائر الشعوب ونهب ثرواتها، ومن دون النظر إلى التداعيات الكارثية التي يمكن أن تسببها مُلحقة بغطرستها وعنجهيتها الأذى والدمار بالساحة الدولية وعلى كل الصعد الإنسانية والاقتصادية والسياسية، حرباً تلائم التوقيت الأعظمي لـ«الأنا» الأمريكية المتضخّمة في نهاية حقبة رئاسية لترامب، كشف من خلالها الوجه الحقيقي لأهدافه العدوانية وأهداف بقية الساسة الأمريكيين.
وقد استطاع «توكفيل» المفكّر السياسي الفرنسي، ومنذ عام 1835 في كتابه «الديمقراطية في أمريكا» أن يفنّد الأسس التي ترتكز عليها الدولة الأمريكية، وأن يوصّف الشعب الأمريكي الذي جاء منه قادته أحسن توصيف قائلاً: «إني لا أعرف شعباً يحتلّ فيه حبّ المال حيّزاً كبيراً في قلوب الناس أكثر من هذا الشعب، إنه شعبٌ يشكّل تجمعاً من المغامرين والمضاربين».
نعم.. إنهم «مغامرون ومضاربون»، هكذا همّ الساسة الأمريكيون الذين يحكمون الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تكن فيها الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والعدالة والإنسانية إلا شعارات برّاقة وكاذبة تستغلها الولايات المتحدة للتغطية على صورتها النمطية والحقيقية عن تاريخها المكتوب والموثّق بدماء ضحاياها، وانتهاكات لا يمكن لكثرتها أن تسقط بالتقادم مادامت أمريكا مستمرة في تحقيق عكس ما تدّعيه.
وها هو ترامب اليوم، الصورة الأوضح للمغامر والمقامر، والرجل الأمريكي الذي لا يعنيه بحقّ سوى المال ثم المال والسلطة المتجبرة للولايات المتحدة الأمريكية، والذي استطاع فرض المقامرة السياسية بفنونها القائمة على الاستباحة واستشراء الممارسات الخارجة على إطار الشرعية الدولية وعلى «شرعنة» الإجرام.
واشنطن التي ترفض التسليم بانتهاء دورها كقطب مهيمن واحد على الساحة الدولية لاتزال تسير على النهج ذاته، ترتكب الجريمة تلو الجريمة بحقّ الدول والشعوب، وتنقض المعاهدات الدولية بارتهان كامل وغير مشروط لأسس ومرتكزات «الدولة العميقة» الأمريكية، ومن دون النظر للقوانين والمبادئ والأعراف الدولية مادامت قادرة على أن تجعل نفوذها السياسي والعسكري والاقتصادي ورقة ضغط رابحة، وقادرة على إرساء كلمتها في المنابر الأممية التي تسيّسها على نحو يخدم أهدافها، وتستطيع من خلالها التحوّر وخلق ما أمكن من علاقات تفرض حضورها بفعل المثابرة على خلق المشكلات والفتن والكوارث الدائمة بحق الدول والشعوب حدّ جعلهم ينسون عدوّهم الحقيقي، كذلك تقديم ما هو جديد دائماً من الأفكار الفوضوية السريعة والمعلّبة والقادرة على تحقيق المكاسب في رصيد مكتنز نسبياً.. لكن وحدها الدول المقاومة للتبعية الأمريكية والرافضة للارتهان لمشيئة واشنطن قادرة على لفظ وإنهاء مشروع الهيمنة الأمريكية وأجنداته الناشطة والساعية دائماً لافتعال الحروب مهما تشدّقت أميركا وادّعت عكس ذلك.

m.albairak@gmail.com

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار