تدخل بطيء

حاول أبو أسعد النقاق أن يختم عامه الآفل بأن يعوض ما فاته من بروتين حيواني ويشبع شهيته من الذبائح المعلقة في واجهة خياله منذ أن نبت للخروف جناحان وقرون استطالت وحالت دونه ودون لحومه الحمراء طوال سنوات الحرب على سورية، وكلما اقترب ليسأل اللحام (أبو ساطور) عن أسعار الكغ منها كان صوت اللحام كصوت (المجرشة) التي تفرم أكوام اللحمة، وتغص – كما يغص أبو أسعد – كلما سمع بسعر اللحمة التي تنوع الغش فيها بين لحوم الجدي وإناث العواس التي تستباح وتسلخ من دون أي وازع أخلاقي من اللحامين الذين يهدرون دمها في مواسم الولادة على أرواح التيوس التي بات سعر الكغ منها يفوق شهية أبي أسعد وأولاده ولتبقى رائحة المشوي منه عصية المنال …
«علك» أبو ساطور سعر الكيلوغرام من اللحمة بعد أن كاد يبتلع لسانه من تخمة «كرشه» التي ابتلعت أنفاسه قائلاً (عشرة آلاف ليرة بدون تشفاية) وبعد الترجمة الحرفية لكلام أبي ساطور تبين أن سعر الكغ عشرة آلاف ليرة بجلاميطه ..
و«بعد حيص وبيص» من أبي أسعد الذي أصرّ على أن يزيّن عشاءه الأخير بلحومها، قصد صالات «السورية للتجارة» كحالة إسعافية وتدخل سريع لإنقاذ ماء وجهه أمام أولاده وزوجه أم أسعد ليصطدم بعدم وجود لحوم في صالات الريف لما بعد العيد ولسان حاله يقول (لا طعم للكعك بعد العيد).
فقصد المدينة «مكره أخوك لا بطل» ليصطدم بطوابير أمام إحدى الصالات في منطقة المزرعة ويصاب بذهول وحيرة، مقسماً أغلظ «الأيمانات» أن يعود مظفراً بعد اقتحامه الطابور وسط «كفر» الحضور باللحمة ليحظى بكيلو غرام منها بسعر لا يساوي قيمة رحلته نحو حفلة الشواء ولسان حاله يقول: (هين فلوسك ولا تهين نفوسك شو كان بدنا بوجعة هالراس) مادام أبو ساطور ولحومه المكدسة في خدمتنا.
عاد أبو أسعد النقاق ليتسمّر وعائلته أمام التلفاز يقلب من محطة لأخرى ويسابق الكهرباء خوفاً من انقطاعها المتكرر ليقضي سهرته على «طاسة» مازوت كان قد اقتصدها من حصته المئة ليتر وينعم بدفء وحرارة المنجمين وما يحملونه في جعبهم من أمنيات وأحلام، هي ضرب في الأوهام على أن يغير الحال من المحال الذي آلت إليه الأسعار والوضع المعيشي المتأزم الذي يراوح في عنق تصريحات المعنيين، هو يعرف مسبقاً كذب المنجمين وإن صدقوا ولسان حاله يقول: «لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم …..» وكل عام وأنتم بخير.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار