حياتنا «بلاسيبو»

الجميع يكذب: السنة الجديدة برقمها الذهبي «2020» ليست جديدة البتّة، ولن تختلف عن سابقاتها إلا في الرقم، وستشبه أيامها ما سبق وعشناه مع فارق التوقيت لا أكثر ولا أقل، ولن تكون أخف وطأةً علينا ولا على أولادنا.
المازوت في محطاتنا ليس كما يرام، لأنه في حال توفَّر في بيوتنا فإنه يُفرْقِع في مدافئنا فرقعةً، ويتركنا لِلَسْعات البرد الكانوني وأمراضه المزمنة، لذا من غير الجائز أن نضيف «مازوت» إلى كلمة «التدفئة» على الإطلاق، لأن ذلك إفكٌ خطير وتلاعب بالمعايير الفيزيائية الدقيقة للمادّة كما نلمس مفاعيلها.
الكهرباء اللعينة، التي تُرَفرِف مثل زينة أشجار الميلاد، هي الأخرى قاسية، إذ لا تكتفي بعدم التزامها بمواعيد تقنينها، بل تعمل جاهدةً، ضعفاً أو شدةً، على تخريب منازلنا وأعصابنا وأوقاتنا، السعيدة منها والتعيسة.
الإنترنت، الذي يُغرينا بأننا في عصر ما بعدَ بعدِ الحداثة، افتراءٌ كبير أيضاً، على اختلاف سرعاته وعروضه وأجياله، ومع أننا نستخدم «كاسرات البروكسي» مُرغمين، إلا أن ذلك لا يمنعنا من الموت ألف مرة ونحن نُحاول أحياناً مُجرَّد إرسال رسالة إلكترونية لا يتعدى حجمها عشرات الكيلوبايتات.
الأدوية كذلك تُمعن في كذبها وادعائها بأنها شافية، فلا تقضي على التهاب، ولا توقف سَيَلاناً، ولا تملك القدرة على تنظيم الضغط، أو تخفيض مستويات السُّكر، وكأنها كلُّها تحوَّلت إلى «بلاسيبو»، ذاك الدواء الذي لا يملك أي تأثير حقيقي في علاج المرض، وإنما يتم إعطاؤه للمريض وإيهامه بأنه السبيل الوحيد لتجاوز محنته، وما التحسُّن الذي يشعر به إلا «استجابة الوهم» حسب المُسمَّى الطبي لها.
أليست حياتنا بمعظم معطياتها باتت تشبه الـ«بلاسيبو» نتجرعه، فنشعر بأننا قمنا بما علينا، وبسبب استعدادنا الشخصي للشفاء ولأننا معجونون بالأمل نتحسَّن قليلاً، ونستجيب بفرح حتى لأرخص أشكال الوهم، ونصفِّق له صاغرين.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار